تُعتبر بطاقة الائتمان البنكية أحد أهم إنجازات البنوك التي بدأ العمل بها خلال القرون الأخيرة، ففكرة حمل الأموال في اليد أو الجيب أو بأي صورة مادية واحدة من الأفكار الأكثر تأثيرًا بالسلب على حياة أي إنسان، لأن البشر بطبيعتهم يطمعون في كل ما هو موجود مع غيرهم، وطبعًا هذا كلام يُفسره حوادث السرقة المنتشرة في كل مكان في العالم، والتي كانت تطال البنوك والمؤسسات الحكومية كذلك، حتى جاء في النهاية نظام بطاقة الائتمان وقرر وضع حد أعلى من الأمان يُمكن من خلاله تقليل عمليات السرقة وجعل الشخص قادر على حمل أكبر قدر من الأموال وفي نفس الوقت غير معني بالحماية لأن كل ما في جيبه مجرد قطعة من البلاستيك ليس هناك أي قيمة لها ما دامت غير مقرونة ببعض البيانات التي تكون في ذهن صاحب البطاقة فقط، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على بطاقة الائتمان والأسباب التي أدت إلى كونها وسيلة الدفع وحفظ الأموال الأفضل في العالم.
ما هي بطاقة الائتمان؟
إذا ما أردنا وضع تعريف دقيق لبطاقة الائتمان فيمكننا القول إنها رمز لتلك البطاقات التي تُصدرها البنوك أو المؤسسات المالية بشكل عام، تلك البطاقة البلاستيكية الصغيرة تجعل من صاحبها شخص قادر على استدعاء أمواله في أي وقت أو أي مكان ما دامت هناك مكينة سحب قابلة لقراءة بيانات البطاقة، وبالطبع تلك المكينات قد تزايدت أعدادها في الفترة الأخيرة بصورة كبيرة وأصبحت موجودة في كل ألف متر تقريبًا، هذا إذ لم يكن أقل في المناطق الراقية الموجودة بالمدن، كما أن أي مؤسسة حكومية أو خاصة أصبح يتواجد بداخلها أو بالقرب منها تلك المكينة المُعدة خصيصًا لبطاقة الائتمان.
بإمكان بطاقة الائتمان الصغيرة تلك أن تُصبح بمكان الحقيبة الكبيرة الممتلئة بالنقود، وباستخدامها يُمكن إجراء الكثير من العمليات الشرائية التي ربما لا تُتاح بسبب عدم توافر الأموال النقدية في وقت من الأوقات، لكن وجود بطاقة الائتمان في المحفظة الشخصية يحل تلك المشكلة ويجعلها بحق أحد أهم إنجازات العصر الحديث.
بداية بطاقة الائتمان
كالعادة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة السبق في ذلك الإنجاز الهام جدًا للبشرية، فبالرغم من أن البنوك تواجدت في العالم منذ وقت طويل إلا أن المصارف لم تُفكر في استخدام البطاقة إلا في عام 1914، وكان ذلك من أجل تسهيل عملية التعامل وعدم وجود أي مشاكل في دفع الأموال النقدية، لكن الفكرة لم تلقى أي انتشار في ذلك الوقت، حتى جاءت إحدى الفنادق وقامت بتطبيقها مع تعاملات النزلاء ووجدت أنها أسرع وأكثر دقة وأفضل بشكل عام من الدفع النقدي، ومع دخول بطاقة الائتمان على طريق الانتشار قامت الحرب العالمية الأولى والثانية!
أوقفت الحرب العالمية استخدام البطاقة بشكل مؤقت، فقد كان العالم لا يزال مُنقسمًا بين عدو وصديق، ولم يأمن أحد على وضع أمواله في البنوك وأخذ قطعة من البلاستيك بدلًا منها، لكن بعد انتهاء الحرب وتحديدًا في عام 1951 عادت الأمور إلى مجاريها، بل أن بطاقة الائتمان أصبحت تُستخدم فيما هو أكبر من مجرد سحب الأموال من الماكينات، وإنما تعاملت المصارف مع بعض المؤسسات والشركات وأصبحت هي الوسيط بين العميل المزدوج لها وللمؤسسة.
لماذا تعد بطاقة الائتمان أفضل وسيلة دفع؟
نأتي إلى الشيء الأهم، وهو السبب الذي قد يجعل بطاقة الائتمان طريقة الدفع الأفضل في العالم، فهناك الكثير من طرق الدفع الأخرى، لكننا دائمًا نجد أن الطريقة التي نتحدث عنها هي الأفضل والأكثر انتشارًا، وتحديدًا خلال الألفية الثالثة، حيث أصبح الشاب الذي يتجاوز السادسة عشر بإمكانه أن يمتلك بطاقة ائتمان، إذًا نحن هنا نتحدث عن انتشار كبير وأفضلية في نفس الوقت، ولابد وأن هذا يدفعنا إلى التطرق لحجم الاستفادة وكيفيتها، فالمستفيدون حقًا من هذه البطاقة ليسوا فقط أصحاب البطاقة وإنما كذلك المتاجر والمؤسسات التي يتعامل معها أصحاب البطاقة وكذلك المصارف التي تُشرف على استخراج البطاقة، الجميع يستفيد بشكل أو بآخر من هذه البطاقة السحرية.
لماذا يرتاح أصحاب بطاقة الائتمان بحملها؟
يحصل أصحاب بطاقة الائتمان على الاستفادة لعدة أسباب أهمها أمن الأموال التي يمتلكونها، فمن الصعب جدًا كما ذكرنا أن تسير في الشارع وأنت تحمل مبلغ كبير، وليكن مثلًا عشرة آلاف دولار، بالتأكيد سوف تلفت الأنظار ومن الوارد جدًا أن تسقط كضحية لأحد اللصوص، لكن تلك البطاقة البلاستيكية الصغيرة تحل لك الأمر في غمضة عين وبسهولة.
أيضًا يرتاح حاملي بطاقة الائتمان لأنها توفر لهم شيء آخر ربما بدون البطاقة يحتاج إلى جهد طويل، وهو تحويل العملات، فإذا كنت تسير في الشارع ورأيت شيء يُعجبك في مكان يتعامل بعملة مختلفة فأنت لن تكون بحاجة إلى الذهاب للبنك وتحويل العملات كي تحصل على العملة المناسبة للشراء، وإنما بطاقة الائتمان ستفعل لك ذلك وقتيًا.
من ضمن أسباب الارتياح أيضًا أن بطاقة الائتمان توفر لك ميزة الحصول على قرض من البنك دون الحاجة للذهاب إلى ذلك البنك، فقد يحدث مثلًا أن تكون في حالة تسوق وتجد أنك لا تملك ما يكفي من المال لشراء شيء ما، في تلك الحالة بطاقة الائتمان تسمح لك باقتراض مبلغ معين بحد معين وسداده عند أول عملية تزويد لحسابك.
الفوائد والأسباب التي تجعل العميل مرتاحًا بامتلاك بطاقة الائتمان لا تنتهي، بل ثمة ميزة أخرى هامة جدًا وهي أن الشراكة التي تحدث بين المصارف وبعض المتاجر والشركات والمؤسسات تجعلك تحصل على ميزة خاصة، وهي خصومات على بعض المنتجات وبنسب كبيرة لا يُستهان بها، تلك النسبة من الخصم لم تكن لتتوفر لك لو أنك قد ذهبت بالأموال إلى المتجر مباشرةً دون أن يكون معك بطاقة الائتمان.
أخيرًا فإنه من ضمن الأسباب التي تجعل أي عميل لأي بنك من البنوك سعيدًا ومُرتاحًا لحملة بطاقة الائتمان أنه بإمكانه في أي وقت وفي أي مكان وفي أي ظرف يُمكن أن يسحب أمواله من ماكينة السحب، وهذا على العكس تمامًا من السحب اليدوي من البنوك الذي يلتزم بوقت معين وبعده يُغلق البنك.
لماذا يرتاح المصرف إلى بطاقة الائتمان؟
العنصر الثاني من العناصر التي تقوم باستخدام بطاقة الائتمان هو عنصر هام جدًا، بل إنه العنصر الأهم، وذلك لأنه ببساطة هو من يقوم بصناعة تلك البطاقة وبثها في الأسواق، وهو المصرف، أو البنك كما نُطلق عليه، والحقيقة أن البنوك تستفيد بقدر كبير مثلما هو الحال تمامًا مع العميل، وأول هذه الفوائد هي الرسوم التي تحصل عليها.
تأخذ المصارف عادةً من الذين يرغبون في إنشاء بطاقة الائتمان مبالغ رمزية، قد تصل مثلًا إلى خمسين جنيه، لكننا إذا جمعنا أعداد من يقومون بعمل تلك البطاقة فسنجد أن ذلك المبلغ الرمزي من وجهة نظرنا يؤدي في النهاية إلى مبالغ هائلة كمكاسب، فلو أن كل بنك يمتلك مليون عميل فقط فسوف يُصبح الربح الخاص به من إنشاء البطاقة فقط هو خمسين مليون جنيه على الأقل، وهو بالطبع مبلغ كبير مقارنةً بما يتم إنفاقه على ذلك المشروع.
البنك كذلك يرتاح للبطاقة لأنها تجعل المستخدم في جعبته، فمثلًا إذا قام بعملية سحب فإنه يأخذ منه نسبة ليست بالصغيرة يُطلق عليها اسم الضريبة، وكذلك يأخذ منه مبالغ إذا تم تأخير أموال تجديد البطاقة أو تم استخدامها بشكل خاطئ، وطبعًا تلك الأموال الصغيرة تجمع في النهاية مبلغ كبير يكون سند لها في تمشية أعمالها.
الأهمية الكبرى لبطاقة الائتمان فيما يتعلق بالبنوك أنها تجعل العميل يشعر براحة تامة أثناء التعامل، أي أنها تكسب رضاه وأهم شيء بالنسبة لأي مؤسسة بالطبع أن يتم كسب رضى العميل، لأنه فيما بعد سوف يكون سبب، بعد الله، في زيادة أرباح البنك أو العكس، كما أنه مع كثرة البنوك أصبح من المهم جدًا التنافس من أجل كسب رضى العملاء وتقديم أفضل خدمة ممكنة لهم حتى لا يذهبوا إلى بنك آخر ويتعاملوا معه.
لماذا ترتاح المتاجر إلى بطاقة الائتمان؟
العنصر الثالث من العناصر الهامة التي يجب أن تكون موجودة في بطاقة الائتمان كي تكون صالحة للاستخدام هو عنصر التاجر، ذلك الشخص الذي يقوم البنك بالتعاقد معه من أجل أن يُسهل الخدمة على العميل، فمثلًا عندما يقوم المصرف بالتعاقد مع شركة أدوية، فإن العميل بالتأكيد عندما يذهب إلى تلك الشركة ويشتري الأدوية فسوف يحصل على خصم كبير، وهنا تكون المصارف قد قامت بدور الرابط أو الوسيط بين المتاجر والعميل، وأيضًا تحصد المتاجر عدة فوائد هامة على رأسها مثلًا جذب العملاء.
عندما يشارك المصرف أو الشركة في خدمة بطاقة الائتمان فإنها بالفعل تقوم بتخصيص جزء من المنتجات بخصم بنسبة معينة لأولئك الذي يحملون البطاقة ويتعاملون مع البنوك التي يتعاقد مع المتجر، وربما تظنون مثلًا أن هذا الأمر سوف يؤدي إلى بعض الخسائر، إلا أن هذا الظن ليس صحيحًا لأن المتجر يضمن زيادة أعداد العملاء، وبالتالي بيع أكثر، وهناك قاعدة تجارية شهيرة تقول إنه كلما كثر البيع كلما كثر المكسب، مهما كان سعر ذلك البيع.
من ضمن مكاسب المتاجر أيضًا من بطاقة الائتمان أنها تضمن لها تحصيل أموالها في حالة إذا كان العميل الذي يتعاقد معها يتعامل بنظام التقسيط، فعندما يشتري شخص ما من مكان ما شيء ما بالتقسيط فإنه من المُحتمل أن يتأخر في السداد لظروف قهرية، وفي تلك الحالة يتأذى البنك بكل تأكيد، لكن، عندما يتعلق الأمر ببطاقة ائتمان تابعة لبنك من البنوك فإن الأمر يختلف تمامًا، حيث أن المتجر يُصبح بإمكانه ضمان أمواله من خلال وسيط قوي وهام، وهو البنك، والحقيقة أن هذا الأمر قد أثبت فاعليته الكبيرة طوال فترة العمل به.
حماية المال من السرقة أيضًا من ضمن العوامل التي تجعل من بطاقة الائتمان سببًا هامًا من أسباب راحة المتاجر، فمثلًا، عندما يذهب العميل إلى متجر ويشتري منه منتجات بقيمة خمسة آلاف جنيه فإنه باستخدام بطاقة الائتمان فإن هذا يعني أنه ثمة خمسة آلاف جنيه قد حولت تلقائيًا إلى حسابات المتجر في البنوك، لكن عندما يتم دفع تلك الآلاف الخمسة نقديًا يُصبح المتجر معرضًا لخطر السرقة، أي أن الأمر يتجاوز كونه طريقة تسهيل إلى كونه طريقة حماية قوية.