بروس لي والمعروف أيضاً بلقب التنين الصغير هو الأبرز والأشهر في تاريخ الفنون القتالية وخاصة رياضة الكونغ فو، كما أنه أحد أبرز الأسماء السينمائية في التاريخ نظراً لمشاركته في العديد من الأفلام القتالية التي حققت انتشاراً واسعاً وحظيت بشعبية طاغية بين الشباب والمراهقين في مختلف أنحاء العالم ومن أبرزها أفلام دخول التنين، قبضة الغضب، طريق التنين وغيرهم الكثير .. من المعتاد أن يتم وصف الأشخاص الناجحون في أي مجال بالأساطير، إلا أن البعض يرى أن بروس لي يستحق أن يوصف بأنه أسطورتان واحدة رياضية والأخرى سينمائية.. ترى لماذا ؟ وما التأثير الذي حققه في كل من المجالين؟
تأثير بروس لي الرياضي والفني :
يعد بروس لي أحد أبرز الأسماء وأكثرها تأثيراً في مجال الفنون القتالية والمجال الفني على السواء، وذلك بفضل إسهاماته العديدة وتأثيره المباشرة بكل منهما، ومن مظاهر ذلك التأثير ما يلي:
بداية المسيرة الاحترافية :
بدأ بروس لي مسيرته في عالم الرياضة وهو في سن الثالثة عشر تقريباً، وقد جاء ذلك عن طريق المصادفة حيث خسر قتالاً في الشوارع ضد أحد أفراد العصابات وقد ترك ذلك أثراً في نفسه دفعه للتوجه إلى أحد المدربين المحترفين آملاً أن يتقن الفنون القتالية، وقد وقع اختياره على المدرب إيب مان الذي لمس في الصبي الصغير موهبة فريدة ورغبة حقيقية في التعلم وبناء على ذلك قد أولاه اهتماماً بالغاً.
تدرب بروس لي في البداية على أسلوب شي ساو -المعروف أيضاً باسم أسلوب الأيدي المتلاصقة- على يد الصيني أيب مان، وقد كان يحرص ذلك المعلم على غرس القيم الأخلاقية في نفوس تلاميذه إلى جانب تدريبهم على أساليب القتال المختلفة، حتى أنه كان يعمل على تنظيم بطولات الفنون القتالية لحثهم على التنافس بشكل مشروع والابتعاد عن رهانات الشوارع التي كانت إحدى الظواهر السلبية المنتشرة في شوارع الصين في تلك الفترة.
المعاناة من العنصرية :
يعتقد البعض أن أولى صدامات بروس لي مع العنصرية كانت مع توجهه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركته في أفلام هوليوود، لكن الحقيقة أن معاناته مع ذلك الفكر جاءت مبكرة جداً، منذ أن كان تلميذاً ضمن صفوف المدرب إيب مان.
عانى بروس لي من نبذ زملائه له بسبب أصوله المختلطة حتى أن عدد كبير منهم كان يرفض مواجهته ضمن المسابقات التي ينظمها المدرب بين طلابه، وبينما يُعتقد أن دافع الطلاب إلى ذلك هو تفوق بروس عليهم وتيقنهم من أنه الأفضل وأن لا فرصة أمامهم للفوز عليه، إلا أن حٌجتهم الدائمة كانت أنه ليس صينياً خالصاً وذو أصول مختلطة، حيث أن الموروث الثقافي والشعبي في الصين يحظر تعليم فنون القتال لغير الصينيين.
ابتكار أساليب قتالية جديدة :
لم يكن بروس لي مجرد أحد اللاعبين المحترفين لرياضة الكونغ فو القتالية، بل أنه برع في تلك الرياضة القتالية بصورة كبيرة وساهم بشكل مباشر في تطويرها، حيث أنه قد ابتكر أحد الأساليب القتالية الجديدة في عالم الكونغ الفو والمعروف باسم أسلوب الجيت كون دون Jeet Kune Do أو أسلوب اليد المعترضة واسمه الشائع فن قتال الشارع.
يحظى الأسلوب القتالي الذي عمل بروس لي على تطويره خلال سنوات احترافه لرياضة الكونغ فو القتالية بشعبية كبيرة بين الشباب، ولا يزال معمول به حتى اليوم ويتم تدريبه لممارسي رياضة الكونغ فو -من الهواة والمحترفين على السواء- في مختلف دول العالم، بل أنه يعد أشهر الأساليب القتالية على الإطلاق في عالم رياضة الدفاع عن النفس.
صاحب الفضل في شعبية الكونغ فو :
يرى عدد كبير من هواة ممارسة الرياضة القتالية بشكل عام و رياضة الكونغ فو بصفة خاصة أن شعبيتها العالمية قد تحققت من خلال أفلام السينما، وهنا لابد من ذكر اسم بروس لي بصفته صاحب نصيب الأسد من الأفلام القتالية والتي تعرف بشكل خاص باسم أفلام الكونغ فو القتالية.
حققت أفلام بروس لي السينمائية انتشاراً واسعاً حول العالم وحظيت بشعبية كبيرة خاصة بين الشباب في مرحلة المراهقة، وشريحة كبيرة منهم اتجهت إلى ممارسة رياضات الدفاع عن النفس بفضل تلك الأفلام خاصة خلال خمسينات القرن الماضي، كما أن نجاح بروس لي سينمائياً كان سبباً مباشراً في مواصلة إنتاج أفلام الكونغ فو بأبطال آخرين بعد وفاته ومن ثم استطاعت تلك الرياضة من الحفاظ على تألقها وشعبيتها.
الوصول إلى العالمية :
يرى بعض النقاد والخبراء في مجال صناعة السينما أن شركات إنتاج الأفلام في هوليوود لم تكن مُخيرة في اجتذاب بروس لي إليها وتقديمه عبر شاشتها الكبيرة، حيث أن النجاح الذي حققه من خلال أفلامه التي تم إنتاجها في الصين جذب إليه أنظار العالم وأصبح يتمتع بشعبية طاغية لا يمكن الاستهانة بها.
تحرص هوليوود عاصمة السينما في العالم على جذب الأسماء اللامعة في العالم إلى صفوفها، فهي بذلك تضمن مواصلة النجاح والبقاء متربعة على عرش الفن السابع في العالم، وأمام الانتشار الساحق الذي حققته السينما الصينية بفضل بروس لي لم تملك شركات الإنتاج الأمريكية سوى جذبه إليها وتقديمه في أفلام من بطولته، ليكون بذلك أول ممثل من أصول أسيوية تتصدر صورته مواد الدعاية والإعلان الخاصة بأحد الأفلام الأمريكية.
القضاء على العنصرية ضد الآسيويين :
تمكن بروس لي من خلال الفيلم الأمريكي الذي جسد من خلاله دور البطل وكان محور أحداثه أن يقضي على العنصرية ضد الآسيويين والتي سادت عالم صناعة الأفلام لفترة طويلة جداً من الزمن، حيث كان ظهور الممثلين ذوي الأصول الآسيوية يقتصر على الأدوار الثانية والمهمشة.
الفكر العنصري ضد الممثل الآسيوي لا يتمثل فقط في حجم المساحة المتاحة له على الشاشة في الأفلام الأمريكية، بل أن ظهوره في الأفلام كان يقتصر على شخصية الخصم الشرير، فهو دائماً شياطناً إما إرهابياً أو أحد رجال العصابات أو غير ذلك في حين الخصال الحميدة جميعها كانت دائماً وأبداً حكراً على الشخصيات الأمريكية، إلا أن بروس لي رفض ذلك رفضاً باتاً ليكون بذلك صاحب أول شخصية أسيوية سوية ونبيلة في تاريخ السينما العالمية.
فتح أبواب هوليوود أمام الصينيين :
انضم عدد كبير من النجوم الصينيين إلى صفوف هوليوود خلال العقود القليلة الماضية وبعضهم أصبح من نجوم الصف الأول وتحقق أفلامهم إيرادات بالغة الارتفاع في شباك التذاكر العالمي، منهم النجم جاكي شان الذي اشتهر بتقديم أفلام الإثارة وكذلك أفلام الخيال العلمي التي لا تخلو من روح الكوميديا، وكذلك جيت لي الذي قدم عدداً من أشهر الأفلام القتالية، أما على مستوى الدراما التليفزيونية سنجد ممثلين مثل دانيال داي كيم الذي جسد شخصيات رئيسية في العديد من المسلسلات الأمريكية الشهيرة مثل مسلسل لوست Lost ومسلسل Hawaii Five-0.
كل هؤلاء النجوم وغيرهم يدينون بالفضل لـ بروس لي حيث أنه كان رأس السهم الصيني التي اخترقت عالم هوليوود المنغلق على الأمريكيين والأوروبيين فقط، والنجاح الذي حققه في السينما الأمريكية فتح أبوابها على مصراعيها أمام العديد من الممثلين الصينيين وأتاح الفرصة أمامهم للمشاركة بأدوار رئيسية في السينما الأمريكية والوصول في بعض الأحيان إلى البطولة المطلقة.