يشير مصطلح الهجرة الخارجية إلى انتقال فرد أو مجموعة أفراد من موطنهم إلى بلد آخر، وغالباً ما يكون ذلك مصحوباً بقرار الاستقرار بصورة كاملة بذلك المكان الجديد وانعدام النية في العودة إلى الموطن الأصلي. شهدت العقود الماضية تزايداً ملحوظاً في معدلات الهجرة الخارجية وهو الأمر الذي دفع علماء الاجتماع إلى التحذير من تلك الظاهرة التي -في نظرهم- سوف تنعكس على المجتمعات بالعديد من الآثار السلبية على المدى البعيد، ويبقى السؤال هنا لماذا قد يرغب شخص ما في هجرة موطنه؟ وما العوامل التي ساهمت في تزايد تلك الظاهرة؟
أسباب تزايد معدلات الهجرة الخارجية :
حدد علماء الاجتماع مجموعة من العوامل الرئيسية التي أدت إلى تزايد معدلات الهجرة الخارجية خلال العقود الماضية سواء بصورة فردية أو جماعية، والتي تمثلت فيما يلي:
الاضطهاد والعنصرية :
يعد الاضطهاد أحد أبرز العوامل المُشجعة على الهجرة الخارجية وإرغام الأشخاص على مغادرة موطنهم الأصلي، حيث كشفت الدراسات عن أن عدد كبير من المهاجرين اضطروا لذلك هرباً من بطش الأنظمة الحاكمة في بلادهم، مثال ذلك عدد كبير من السياسيين المعارضين والمفكرين والأدباء العرب الذين غادروا بلادهم إلى الدول العربية الأخرى أو إلى دول العالم الغربي بمرحلة ما قبل ثورات الربيع العربي، حرصاً على سلامتهم وسلامة أسرهم وخشية التعرض للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية.
يتخذ الاضطهاد أشكالاً متعددة وقد يكون نابعاً من تفشي داء العنصرية داخل المجتمعات وانتشار الأفكار المريضة التي تفرق بين أبناء الشعب الواحد على أساس الدين أو العرق أو اللون، وهذا أيضاً قد يدفع فئة محددة من المواطنين إلى الهجرة الخارجية بحثاً عن بيئة مناسبة لهم.
الاضطرابات والنزاعات المسلحة :
تعتبر الحروب أحد الأسباب الرئيسية المؤدية إلى انتشار ظاهرة الهجرة الخارجية خاصة أن قرار الهجرة في تلك الحالة لا يكون خياراً؛ حيث أن الإنسان بالفطرة يبحث دائماً عن الأمان والاستقرار وكلها أمور لا يمكن أن تتحقق ضمن المناطق التي تشهد نزاعاً مسلحاً، وتخبرنا دراسة التاريخ بأن هناك مدناً كاملة قد أخليت من المواطنين بفعل الحروب، ومن أمثلة ذلك إخلاء مدن القنال في مصر في أعقاب نكسة 67 قبل أن يُعاد إعمارها مجدداً بعد تحقيق النصر في حرب أكتوبر.
شهدت الأعوام القليلة الماضية أيضاً نزوح عدد كبير من الأسر السورية إلى الحدود اللبنانية والتركية ومنهم من سافر إلى بلاد أخرى مثل مصر أو ألمانيا واستقر بها، وذلك هرباً من تردي الأوضاع الأمنية في أغلب المدن السورية بفعل النزاعات المسلحة، بالإضافة إلى تمكن الجماعات الإرهابية من إحكام سيطرتها على مدن كاملة.
الدراسة والبحث العلمي :
تعد الدراسة بإحدى الجامعات العالمية حلماً بالنسبة للعدد الأكبر من الطلبة المتفوقين بمختلف المجالات العلمية، حيث أن الشهادات الصادرة من المؤسسات الجامعية المرموقة تمنح حاملها العديد من المزايا، أبرزها أن تلك الشهادات يكون معترف بها دولياً وتتيح للطالب الحصول على فرص عمل أكثر تميزاً، هذا كله بخلاف بلوغ المنظومة التعليمية في دول العالم الغربي درجة عالية من التقدم والتطور.
بناء على ذلك يمكن اعتبار الأغراض التعليمية أحد الدوافع التي تحث الشباب على الهجرة الخارجية وبنسبة كبيرة من يتخذون تلك الخطوة لا يفضلون العودة مجدداً إلى موطنهم الأصلي، حيث يرون أن المناخ العام السائد في دول العالم المتقدم تساعدهم بصورة أكبر على النجاح في تحقيق طموحاتهم والنجاح في حياتهم المهنية، علاوة على أن تطور آليات البحث العلمي بالعالم الغربي تغري عدد كبير من العلماء العرب بالاستمرار هناك.
الدوافع الاقتصادية والبحث عن فرصة عمل :
النسبة الأكبر من الهجرة الخارجية التي يُقدم عليها الأشخاص بمحض إرادتهم يكون الهدف الرئيسي لها البحث عن فرصة عمل وتحسين مستوى الدخل، وقد أدى هذا الأمر إلى تحول الهجرة إلى ظاهرة شائعة في بعض البلاد في حقب معينة، مثال ذلك انتقال عدد كبير من أبناء الشعب المصري إلى دول الخليج العربي خلال فترة السبعينات.
يشار هنا إلى أن الهجرة لأسباب اقتصادية لا تقتصر فقط على أبناء الطبقات المتوسطة والمتدنية ممن يبحثون عن فرص عمل تقليدية لتحسين مستوى المعيشة فحسب، بل أن بعض كبار المستثمرين وأصحاب رءوس الأموال أيضاً قد ينتقلون من بلد إلى آخر استغلالاً للوضع الاقتصادي بها والاستفادة من المزايا العديدة التي تقدمها بعض الحكومات للمستثمر الأجنبي؛ إذ يرى هؤلاء أن المناخ العام السائد ببعض البلاد يفتح المجال أمام توسع الأعمال وبالتالي الارتقاء سريعاً وتحقيق أرباحاً أكبر خلال فترة زمنية أقل.
البحث عن فرصة تتلائم من المهارات الخاصة :
يمكن اعتبار هذا النوع هو الأسوأ بين مختلف أنواع الهجرة الخارجية حيث أنه يتسبب في تجريد البلاد من أصحاب المواهب والقدرات الفريدة، حيث أن النسبة الأكبر من أصحاب الأفكار الخلاقة والمبدعة لا يلقوا الدعم المادي أو المعنوي اللازم في أوطانهم، ومن ثم يفضلون الهجرة إلى إحدى دول العالم المتقدم التي توفر لأمثالهم الموارد اللازمة لتفجير طاقاتهم وتحويل أفكارهم إلى واقع ملموس.
دليل ذلك عدد كبير من علماء العرب الذين اضطروا للسفر إلى الخارج لإجراء أبحاثهم العلمية التي أذهلت العالم وأحدثت طفرة بالمجال العلمي، وفي مقدمة هؤلاء الدكتور أحمد زويل والدكتور مجدي يعقوب والدكتورة سميرة موسى وغيرهم الكثيرين، والأمر لا يقتصر على المجال العلمي فقط، بل أن المواهب الرياضية العربية تبرز بصورة أكبر في الدول الأوروبية التي تعرف كيف ترعى اللاعب وتؤهله بدنياً ونفسياً والمثال الأبرز على ذلك اللاعب المصري محمد صلاح والمغربي المهدي بن عطية، وذات الأمر ينطبق على كافة المجالات الأخرى دون استثناء.
الانبهار بالحضارة الغربية :
يعد الانبهار بالحضارة الغربية وأسلوب المعيشة في الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية من العوامل التي تزيد حماس الشباب العربي إلى الهجرة الخارجية ،رغبة منهم في أن ينعموا بالمزايا العديدة التي يوفرها هذا النمط المعيشي والأجواء السائدة بالمجتمع الغربي التي تتسم بالانفتاح وتقبل الآخر.
أثبتت تجارب السابقين أن تجربة المعيشة في الدول الغربية ليست بتلك المثالية التي يتصورها البعض، لكن في النهاية يبقى الانتقال إليها حلماً يراود الملايين والنسبة الأكبر منهم يتخذون خطوات فعلية نحو تحقيقه، وساعد على ذلك تردي المستوى الثقافي وانتشار الأمراض الاجتماعية بالنسبة الأكبر من الدول العربية، مما دفع البعض للاعتقاد بأن الدول الغربية بمثابة بوابة سحرية يمكنه من خلالها العبور إلى عالم أحلامه.
خاتمة :
يرى العلماء أن الهجرة الخارجية مرضاً اجتماعياً يؤثر بشكل سلبي على الوطن الأم حيث يحرمه من طاقات شبابه التي تستنفذها الدول الأخرى الحاضنة لهم بالإضافة إلى زعزعة قيم الانتماء في نفوسهم، كما أن تجربة الهجرة تؤثر سلباً على الفرد المُهاجر نفسه بسبب عدم قدرته على التأقلم مع طبيعة الحياة الجديدة والتي قد تكون مغايرة تماماً لمبادئه ومعتقداته هذا بالإضافة إلى إحساسه الدائم بالغربة وانعدام الاستقرار.
ينصح العلماء بضرورة تبني الدول حلول فعالة وحقيقية للحد من هذه الظاهرة وفي مقدمتها ضمان توفير فرص عمل حقيقية تناسب مؤهلات وقدرات الشباب وتكفل لهم حياة كريمة، بالإضافة إلى احترام الحريات وحقوق الإنسان واحتواء الشباب وحثهم على المشاركة الفعالة بالحياة السياسية عبر القنوات الشرعية وكذا إقامة مؤسسات مختصة برعاية واحتواء أصحاب العقول المبتكرة والمهارات الفريدة..