مما لا شك فيه أن محاربة النفايات ومحاولة التخلص منها دائمًا أصبح أمر أشبه بالواجب القومي، فالنفايات التي تتواجد أمام منزلك أو بداخله لن تتسبب في أذيتك فقط، وإنما كذلك ستضر كل المُحيطين بك، وربما يتطور الأمر إلى الحد الذي يجعل منها ضررًا عامًا لا تُحمد عقباه، ولهذا فإن المحاولات دائمًا تصب في إيجاد طرق للتخلص من هذه النفايات، وهذا بصراحة ما برع فيه الإنسان منذ اليوم الأول له على هذه الأرض، وإن كانت البراعة طبعًا تأخذ باستمرار طريق التطور حتى وصلت الآن إلى طرق صحية جدًا في التخلص من النفايات مثل طريقة الترميد، لكن الآن نود أن نطرح سؤالًا هامًا، أو ننقل لكم سؤال ربما يسأله طفلكم أو أي شخص غير مُدرك لكل ما يجري حوله لأي سبب، ذلك السؤال يتعلق بتفسير رغبة البشر المستميتة في محاربة النفايات ومحاولة التخلص منها دائمًا، فما هي الأسباب يا تُرى؟ دعونا نبدأ بالتعرف عليها في السطور القادمة سويًا، ولتكن البداية مثلًا مع تسببها في أغلب الأوبئة والأمراض.
تتسبب في أغلب الأوبئة والأمراض
بكل بساطة يا سادة، عندما يظهر مرض خطير فإن أول ما يتم البحث عنه هو مصدر ذلك المرض أو المكان الذي نشأ فيه، وغالبًا ما يكون ذلك المكان في أفريقيا وأسيا أو أي مكان ينتمي إلى العالم الثالث، بعد ذلك، وعندما يتم التعرف على مصدر المرض يتم البحث خلفه وإجراء الدراسات حتى يُكتشف في النهاية أمر في غاية الأهمية والخطورة، وهو أن ذلك المكان الذي اكتشفنا أنه مصدر المرض لا يتخلص من نفاياته بالصورة الصحية التي يتم اتباعها في الدول المتقدمة المنتمية للعالمين الأول والثاني، إجمالًا، لقد وُلد المرض من قلب منتجع النفايات هذا.
أكبر دليل على ارتباط النفايات بوجود المرض أن أكثر الناس إصابةً هم الذين يعيشون بالقرب من هذه الأماكن، كما أنهم يكونون أول من يتعرضون للإصابة ثم ينقلونها للآخرين، فالمرض في الأصل يجد بيئة خصبة متوفرة له داخل كل مقلب للنفايات، فهناك تتواجد البقايا التالفة المتشبعة بالبكتيريا، وهناك تكون البيئة مُساهمة على انتشار المرض وزيادة فاعليته، وذلك على العكس البيئة الصحية التي تكبح جماح المرض من البداية، ولهذا السبب طبعًا نسعى للتخلص من النفايات.
تأخذ مكان يُمكن استخدامه في غرض آخر
من المعروف طبعًا أن الطريقة التقليدية للتخلص من النفايات أن يتم تجميعها في مكان واحد ثم بعد ذلك يتم البدء في ابتكار طريقة يُمكن من خلالها التخلص منها، فمثلًا يُمكن حرقها أو ترميدها أو حتى إعادة استخدامها من جديد ضمن عملية التدوير، المهم في النهاية أن تحدث هذه الأمور، لكن ما يعنينا الآن ليس التخلص من النفايات، وإنما المكان الذي تُوضع به تمهيدًا لذلك التخلص، فذلك المكان كما نعرف جميعًا يتعرض للتلوث والتلف بشكل شبه نهائي، فلا يُصلح غير قابلًا للزراعة ويُفضل غالبًا ألا يُستخدم في البناء أو أي غرض آخر مفيد، ببساطة، كل شيء يتغير للأسوأ في الوقت الذي كان من الممكن جدًا فيه استخدام ذلك المكان في أمر آخر هام.
الدراسات والتقارير والإحصائيات التي أُجريت في السنوات العشر الأخيرة تقول إن نسبة عشرة بالمئة من الأراضي الصالحة للاستخدام تتلف بسبب دخول النفايات فيها، فمجرد تجميع النفايات في مكان واحد لفترة كبيرة تجعل ذلك المكان أشبه بمنطقة مغضوب عليها فيما بعد، فلا الزراعة ستتم ولا الصناعة ولا العمران، بل ويُمكننا القول كذلك أن الطيور نفسها لن تُحلق فوق ذلك المكان مجددًا، حيث سيبدو لها وكأنه قد مُلوث مؤذي، ولهذا نحارب للتخلص من النفايات.
تتنافى مع تقدم البشر ورُقيهم
طبعًا جميعنا يعرف أنه كلما تقدم الوقت أكثر فأكثر كلما زادت كمية النفايات التي يتم إفرازها، لكن الحقيقة هذا لا يعني سوى أمر واحد، وهو تزايد أعداد البشر وبالتالي زيادة أعداد ما يفرزونه من نفايات، لكن بالنسبة للحقيقة الثانية فهي أن البشر مع تقدم الوقت يتوصلون أكثر إلى طُرق فعالة للقضاء على القمامة والمُخلفات، أي أنهم يتخلصون منها أسرع مما مضى، وعندما تسأل أي شخص عن هذا الأمر فسوف يقول لك على الفور بأن البشر يفعلون ذلك رغبةً منهم في التخلص من أمراض النفايات وأضرارها البدنية، لكن الحقيقة الأكثر رجحانًا من ذلك أن البشر طوال الوقت يبحثون عن المنظر الجيد الذي يُمتع لهم أنظارهم، وهذا ما لن يكون متواجدًا حال تواجد النفايات.
إذا ما تتبعنا تصميم أغلب البيوت الآن فسنجد أنها تحتوي على حديقة خضراء تضم بعض مناحي الجمال المتمثلة في الأزهار والورود، هذا ما يُريد البشر رؤيته على الدوام وهذا ما يجدون المتعة الحقيقية فيه، لكن بالنسبة للنفايات فإن منظرها يتنافى تمامًا مع التقدم الذي وصل إليه البشر والرقي الحضاري الذي يتمتعون به، ولهذا، وتحديدًا في دول العالم الأول والثاني، تجدهم دائمًا راغبين في التخلص من النفايات بأسرع وقت ممكن وبأي طريقة مُتاحة.
تجذب الحشرات التي تُضايق البشر
أيضًا من ضمن الأسباب التي تجعلنا نجتهد في محاربة النفايات أنها تُعتبر عنصر جذب للحشرات المُضايقة مثل الذباب والنمل، فتلك الحشرات أصلًا تخرج من رحم القمامة وتبدأ في الانتشار والتكاثر بطريقة غريبة، ثم بعد ذلك تدخل البيوت المجاورة لها وتنتقل منها إلى كل مكان تقريبًا، ولذلك نلحظ أن أي مكان نجد فيه تواجد كثيف للحشرات يكون على الأرجح مملوء بالنفايات، وغالبًا ما ستجد شيء متعفن أو تالف بالقرب من مصدر الحشرات هذا، الغريب حقًا أن البشر يعرفون هذه المعلومة منذ قديم الأزل ولا يزالون حتى الآن في حالة رضوخ تام لتواجد القمامة، اللهم إلا دول العالم الأول التي لا تُبقي ولا تذر أي منفذ للحشرات أو النفايات.
عندما يتم تنظيم مكان تواجد النفايات وتعقيمه فإن النتيجة المتوقعة في هذه الظروف هي عدم وجود الحشرات أو بدء اختفائها بصورة تدريجية، فالعلاقة ثابتة ولا تتغير، إذا اختفى السبب ستختفي النتائج، حتى لو كنا سنترك النفايات في مكانٍ ما على سبيل الاضطرار فيجب أن نتأكد بأن ذلك المكان بعيد جدًا عن العمران، أو بمعنى أدق، بعيد عن النقطة التي من الممكن أن تندلع منها الحشرات والأوبئة على حدٍ سواء.
النفايات خطر كبير على الأطفال الصِغار
قلنا من قبل أن النفايات أحد أهم أسباب الأوبئة والأمراض التي تُصيب الكبار والصغار، لكن إذا ما تحدثنا عن الأطفال بصورةٍ خاصة فسنجد أنهم أكثر من يتعرض لهذه المخاطر، حيث أن الطفل لا يعرف بالطبع الفارق بين النفايات والأشياء الأخرى، لذلك من الممكن مثلًا أن يضعها في فمه أو يجلس بجوارها لوقت طويل يسمح بعبور الأمراض إليه بسرعةٍ وسهولة، ولهذا فإن الآباء وأولياء الأمور يُحاولون مواجهة هذا الأمر من خلال التخلص السريع من النفايات، فإن كانوا هم يستطيعون السيطرة على أنفسهم والمحافظة على حياتهم فإن الأطفال لا يستطيعون فعل ذلك، ولا يُقدرونه من الأساس، وقد أثبتت الإحصائيات أن أغلب الأطفال الذين يلقون حتفهم في الآونة الأخيرة يكونون قد عرضوا أنفسهم للخطر بأي شكلٍ من الأشكال، وطبعًا ليس هناك شكل أهم وأخطر من النفايات، ولهذا كما ذكرنا يكون السعي للتخلص منها سريع.
توفير نفقات الأدوية والمُبيدات الحشرية
عطفًا على ما سبق فإن استخدام الأودية والمُبيدات الحشرية سيأتي نتيجة لوجود النفايات من الأساس، فهي كما ذكرنا سبب مباشر وكبير في جذب الحشرات والأمراض على حدٍ سواء، ولذلك فإننا عندما نسعى للتخلص منها سريعًا سنكون بهذه الطريقة قد وفرنا الأموال التي كان من المفترض إنفاقها في جلب الأدوية والمبيدات الحشرية، وهو تقدم كبير بلا شك يجعلنا نُسرع من هذه الخطوة، فلو أن كل الناس يعرفون أن السبب إذا انقطع ستختفي نتيجته كذلك لعاش الناس في خيرٍ ورخاء، ولما اضطررنا إلى فقدان الكثير من الأشياء الجميلة في حياتنا، ويُمكننا القول أن البشر إذا استمروا بفكرهم هذا ونظرهم للأمر من هذه الزاوية فإنهم سيُصبحون المُستفيد الأول والأخير، لأن النفايات ستختفي وأموالهم ستُحفظ كذلك.
أملًا في الاستفادة منها بصورة أخرى
أيضًا من ضمن ما يُمكن فعله بالنفايات ويُعتقد أنه سبب كبير من أسباب سرعة التخلص منها أنها قابلة للاستخدام مرة أخرى، أو مُعظمها قابل للاستخدام بشكلٍ كبير، فمثلًا، إذا كنا نتحدث عن الثروة البلاستيكية فهي بالطبع غير كبيرة للدرجة التي تجعلنا ننتج كل المقدار الذي نحتاج إليه، ولهذا فإن التعويض يأتي في صورة إعادة استخدام لما تم استخدامه من قبل، حيث أن هناك إحصائية تقول أن نسبة ثلاثين بالمئة من النفايات تكن في الأصل عبارة عن مواد بلاستيكية قابلة للاستخدام مرة أخرى، وطبعًا هناك العديد من المواد التي تكون ضمن النفايات ولا يُمكننا القول أنها لم تعد صالحة لإعادة التدوير مجددًا، بمعنى أدق، في بعض الأحيان تكون النفايات نعمة وليست نقمة كما نعتقد طوال الوقت.
النفايات الإلكترونية هي أكبر مثال على كلامنا، فهي النوع الأكثر إنتاجًا واستهلاكًا، وأيضًا يُمكننا القول إنها من الأنواع النادرة من النفايات التي تتفاعل مع الهواء والشمس ثم تتعفن مثل النفايات العضوية، عمومًا، هناك في الأساس شركات مخصصة لهذا الأمر، فهي تنتظر النفايات بشغف حتى يتم التخلص منها ثم تبدأ في ممارسة عملها، وطبعًا إذا لم تكن النفايات بكل هذا القدر من الأهمية لما وُجدت تلك النوعية من الشركات، وهي علاقة طردية مع محاربة النفايات، ففي الوقت الذي يُحاربها فيه المستهلك العادي يكون هناك المُنتج الذي يستفيد من هذه المحاربة ويسعى لها.
تجنب ما قد ينتج عن تكدسها
طبعًا لا خلاف على أننا في النهاية، ومهما كانت درجة إهمالنا، سوف نضطر إلى التخلص من النفايات، عاجلًا أم آجلًا سوف نفعل ذلك، لكن، إذا سمحنا لها بالتكدس والتكوم فإننا بهذه الطريقة سوف نؤسس لمشكلة أكبر من مشكلة وجود النفايات، وهي مشكلة التخلص منها، فكل شيء في البداية يكون سهلًا وقابل للحل والربط، لكن عندما تكثر النفايات فإننا لا نعرف أبدًا ما الذي سيحدث لنا بعد ذلك، وهل سنتمكن من التخلص منها سريعًا أم سينال من الوقت ونسقط في فخ الإهمال، وبناءً على كل ما سبق فإن البشر قد توصلوا إلى كون التخلص من النفايات بشكل دوري سريع حل أمثل لمشكلتها يفوق الحل الآخر المُتعلق بانتظار تجميعها ثم التخلص منها دفعةً واحدة.