منذ بداية هذا العقد ظهرت على الساحة الكثير من برامج المسابقات الغنائية ، وقد لاقت متابعة كبيرة جدًا من قبل المشاهدين والمشاهير أيضًا، وذلك لعدة أسباب تختلف من شخص لأخر فأما للترفيه أو تقديرًا للمواهب أو حبًا للغناء، وأشهر هذه البرامج ذا فويس بقسميه للكبار والصغار، وأرب آيدول، وإكس فاكتور، وستار أكاديمي، ويشارك في هذه البرامج آلاف المتسابقين ويمرون بالكثير من المراحل لكي يصلوا في النهاية إلى فائز واحد، وقد ظهرت الكثير الادعاءات التي تشكك من نية هذه المسابقات الغنائية وترى أنها تسعى للتسويق التجاري وربح المال نظير المشاهدة فقط، ولكن نحن لا نعرف ما بداخل القلوب، وما يعنينا هنا هو ذكر لماذا تحصل هذه البرامج على كل هذا الزخم المبالغ فيه.
تقدير الناس للمواهب والإبداع
أحد أهم الأسباب التي تجعل المشاهدين ينكبون على برامج المسابقات الغنائية هي تقدير الموهبة والإبداع، ويعد هذا السبب هو عنصر مشترك بين المتسابق والمشاهد، حيث أن المتسابق يدخل المسابقة لكي يعرض موهبته المدفونة للناس ويريهم حدود إبداعه، هذا بجانب الوصول لحلمه والانضمام لأكبر الفنانين العرب، وأما عن المشاهد فهو بالطبع يميل للموهبة وكل ما هو جميل ويقدر هذا الإبداع الذي يكون لدى المشترك، والمشاهدين هنا قسمين منهم المشاهد العادي الذي تحدثنا عنه، ومنهم المشاهد الموهوب وهو لديه نفس ما لدى المتسابق الذي يستمع إليه من إبداع، فقد حباه الله أيضًا بصوت مميز وجميل ويسعى لإخراجه للناس والصعود به للقمة، فلذلك يشاهد المسابقات الغنائية لكي يتعلم ويكتسب الخبرة حتى ينل شرف المحاولة في السنة القادمة سواء في نفس البرنامج أو برنامج أخر، ولذلك يعد عامل التقدير الدائم من قبل الناس للموهوبين من أهم أسباب مشاهدة المسابقات الغنائية بكل هذا الزخم.
النظر للغناء بأنه نوع من الترفيه
ينظر الناس لبرامج المسابقات الغنائية على أنها نوع من الترفيه والإمتاع الذي لابد من تواجده في جميع المنازل، ففي الوقت الذي كان فيه الترفيه أمر ضروري لدى الكثير من الناس كان لابد من تحديد نوعية هذا الترفيه والتي تختلف من شخص لأخر، ويعد الغناء أحد هذه النوعيات بل وأهمها أيضًا، حيث يفضل الناس الاستماع للأغاني والصوت العذب منذ بداية التاريخ، وهي الموهبة التي يجمع الناس عليها ويعشقونها على عكس المواهب الأخرى فهي بين مؤيد ومعارض محب وكاره، وذلك يتجلى بصورة كبيرة في نسب مشاهدة برامج المسابقات الغنائية، حيث أنه قد أجريت إحصائية تقديرية لأعداد مشاهدي برنامج أراب آيدول فقط فاتضح أنه يتجاوز الأربعين مليون مشاهد على مستوى الوطن العربي، هذا بخلاف برنامج ذا فويس للكبار والصغار والذي تخطى نسبة مشاهدة أراب آيدول بعشرة ملايين تقريبًا، ويوجد أيضًا بعض البرامج الأخرى مثل إكس فاكتور وستار أكاديمي وغيرها من البرامج الغنائية، وكل هذا الزخم يبين لنا مدى حب الناس للغناء والحناجر الذهبية.
تذكر الأغاني القديمة ومعرفة ما هو مخفي
توجد شريحة من المشاهدين تفضل الأغاني القديمة وتحب سماعها عن الأغاني الحديثة، لأن هؤلاء الناس يعتبرون تلك الأغاني من الزمن الجميل والتي تتميز بالفن الأصيل الذي ندر تداوله في وقتنا الحالي، ولذلك تعمل برامج المسابقات الغنائية على استرجاع هذا الفن القديم من خلال المتسابقين، حيث أن بعضهم يختار أغاني من هذا القبيل لكي يقدمها في العرض الخاص به، وتوجد نوعية أخرى تحب سماع الأغاني بشدة ولكنها تجهل الكثير منها، فبالطبع لن يقدر المستمع على معرفة كل ما هو جميل في نظره أو ما قد يندرج تحت النوعية المفضلة له على ساحة الأغاني، ولذلك برامج المسابقات الغنائية تعرض العديد من الأغاني ذات الأذواق المختلفة والتي تتوافق مع أهواء وأذواق جميع الأشخاص، وهكذا يجد المشاهد ضالته فيها فيراقبها باستمرار وبالتالي يحصل هذا الزخم الكبير.
التشويق في المسابقات الغنائية الذي يحبذه الكثيرين
تحتوي برامج المسابقات الغنائية على عنصر هام ويحبذه الكثيرين وهو التشويق والإثارة، حيث تكون المسابقة ملتهبة وساخنة للغاية ويحاول جميع المتسابقين الصعود للمرحلة التالية، فلذلك يبذلون أقصى جهدهم لنيل ذلك، مما يضفي عنصر التشويق والإثارة على مجريات الأحداث، وما يزيد الأمر التهابًا هي أراء لجنة التحكيم التي تعبر عن أراءها عن طريق الكرسي الدوار، الذي يقوم بالاستدارة عند الضغط على الزر الأحمر الكبير، وهذه الاستدارة تعني إعجاب أحد أفراد اللجنة بصوت هذا المتسابق الذي على خشبة المسرح ورغبته في الانضمام إلى فريقه، والأمر يتغير تمامًا عندما يستدير أكثر من كرسي، فيصبح الاختيار على عتق المتسابق لا لجنة الحكم، فهو من سيقرر إلى من يريد الانضمام لفريقه، هذا بالإضافة إلى ما يفعله المخرج من دخول الفاصل الإعلاني قبل اختيار المتسابق لمن سيدخل في فريق أحد أعضاء لجنة التحكيم، مما يجعل المشاهد ينتظر انتهاء الفاصل الإعلاني حتى يعرف من سيختار، كل هذا وأكثر يجعل الأمر ساخن ومثير ويجذب جميع المشاهدين للمتابعة.
كثرة الثورات والحروب على الساحة العربية
مع نهاية عام 2010 بدأ ربيع الثورة العربية من دولة تونس بعدما صفعت الضابط فادية حمدي المواطن محمد بوعزيزي والتحفظ على سيارته التي كان يعمل عليها، فقام بوعزيزي بإضرام في جسده، ومن هنا بدأت أولى الثورات العربية التي تبعتها الثورة المصرية، ثم الليبية، ثم اليمنية، وبعدها توالت الاحتجاجات حتى وصلت بلاد الشام وتحديدًا في سوريا ولم يكن الرئيس بشار الأسد كعادة السابقين في التنحي سريعًا، بل واجه هذه الثورة بكل قسوة وعنف حتى قتل الآلاف وهجر الملايين وقصف المنازل حتى أصبحت سوريا خاوية على عروشها، ومازال الوضع كما هو عليه إلى الآن، هذا بجانب ظهور الدولة الإسلامية الجديدة المتمثلة في داعش، كل هذا قد جعل الوطن العربي في حالة غير مستقرة وقد ملت الشعوب من هذا الدمار، فظهرت برامج المسابقات الغنائية على الساحة والتي وجد في المواطن العربية المنفذ الوحيد للخروج من الحالة التي عليها، فلذلك تابعها الكثيرين حتى أصبحت هي أهم ما يشغلهم عن التفكير في الأوضاع السياسية الراهنة.
الإمكانيات والاهتمام من قبل إدارات برامج المسابقات الغنائية
العين تعشق كل جميل، هي عبارة شائعة وتدل على حب الناس لرؤية كل ما هو جميل وحسن، وهذا ما يحدث في المسابقات الغنائية أيضًا، حيث أن إدارة هذه البرامج تهتم كثيرًا بالمحتوى الذي تقدمه للجمهور، فالمتابع يجد تصوير ذو كفاءة عالية عن طريق كاميرات حديثة جدًا وطاقم عمل على أعلى مستوى، بجانب المبالغ المالية الكبيرة التي يتم ضخها لصالح تنمية هذه المسابقات أكثر وأكثر كل عام، وهذا ما نلاحظه بصورة ظاهرة في برنامجي أراب أيدول وذا فويس، حيث أن هذه البرامج قد انطلقت منذ عام 2011 تقريبًا ومع بداية كل موسم منها نجد أشياء كثيرة قد تغيرت في طريقة العرض ولجنة التحكيم والمسرح نفسه، كل هذا يدل على ما تمتلكه هذه الإدارات من أموال تقوم بدفعها لتطوير المسابقات دائمًا.
الكاتب: أحمد علي