لماذا يشرب الأشرار اللبن في السينما والأفلام؟ هذا هو موضوع حديثنا اليوم في هذا المقال حيث نلاحظ أن في بعض الأفلام نجد أن المخرجين يحاولون دائما أن يظهروا الشرير بمظهر مغاير فيتركونه يشرب اللبن، وهذا بديلا عن الخمر والحشيش والمخدرات والممنوعات ومثل هذه الأمور، ولعل هذا الأمر يشيع أكثر في الأفلام الأجنبية ويتم استخدامه أيضًا في الأفلام العربية بنسبة أقل، فما الرابط بين هذه الأفلام وما هي الإيحاءات التي يود المخرجون توصيلها عبر شرب الأشرار اللبن في السينما؟
ليون المحترف
في فيلم ليون المحترف يحكي عن قصة قناص مأجور ومحترف يتاجر جاره في المخدرات مع عصابة كبيرة تقوم بقتله هو وجميع أسرته بعد خداعه لهم ومحاولته العمل لصالحه بمعزل عنهم، وتنجو فقط فتاة مراهقة صغيرة يتولاها بالتنشئة ليون المحترف وتتعاهد معه على أن تعلمه القراءة والكتابة في مقابل أن يعلمها القنص كي تنتقم لأفراد أسرتها من العصابة القاتلة، بغض النظر عن هذا إلا أن ليون لم يكن سوى شخص وحيد ومنطوي لا يهتم سوى بزرعة وحيدة يأخذها معه أينما ذهب وفي نفس الوقت يرفض شرب الخمر باستمرار ولا يشرب إلا اللبن حتى عندما تأتي الفتاة لبيته أول مرة يقدم لها اللبن، وهذا كان أحد الأمثلة التي تظهر شرب الأشرار اللبن في السينما على عكس ما يتوقع منهم بانغماسهم في الخمر والكحوليات.
أوغاد مجهولون
الدور الخالد الذي قدمه الفنان الألماني كريستوفر فالتز في فيلم أوغاد مجهولون حيث قام بدور العقيد هانز لاندا الضابط الألماني الحازم والداهية العنيف الذي يلاحق اليهود أينما ذهبوا، حيث نشاهده في أول الفيلم يذهب إلى مزرعة يعتقد أن مجموعة من اليهود يختبئون فيها وبمجرد أن يجلس يطلب كوبا من اللبن وعندما يشربه باستمتاع فظيع يشرب كوبا آخر لأنه لذيذ جدا وهو يشربه يبدأ في إجراء حوار مع صاحب المزرعة أقسم أنه أكثر الحوارات المربكة التي يمكن أن تراها في السينما، فقد كنت أظن أن حوار خافيير بارديم مع صاحب الدكان الصغير في فيلم “لا بلاد للعجائز” هو الأكثر إثارة للأعصاب ولكن حوار العقيد هانز لاندا مع المتستر على اليهود في فيلم أوغاد مجهولون يجعلك تشعر أنت نفسك بالخطر، الغريب أن هذا لم ينتهِ، ففي إحدى المشاهد الأخرى كان العقيد أيضًا يضع الكريمة على الكعكة بكميات كبيرة أثناء حوار مربك آخر مع الفتاة الوحيدة الناجية من مذبحة اليهود التي قام بها العقيد في المزرعة السالف ذكرها بعد أن كبرت، فهذا أعتقد واحد من أكثر الأمثلة تجليا في مسألة شرب الأشرار اللبن في السينما والأفلام السينمائية.
برتقالة آلية
ربما قد رأينا من قبل شخص يقوم بخلط الصودا أو الليمون أو المياه الغازية أو العصائر الطازجة مثل عصير البرتقال أو مشروبات الطاقة مع الخمر للتخفيف من حدة طعمها اللاذع، لكن هل رأيت شخصًا يقوم بخلط اللبن مع الكحول؟ حسنا.. في فيلم برتقالة آلية للمخرج المتفرد ستانلي كوبريك حدث بالفعل، في هذا الفيلم يقوم أليكس مع عصابته المتنمرة منعدمة القيم والأخلاق الذين يعيثون في الأرض فسادا بلا أي رادع ويقومون بجرائم ضد المجتمع من عنف وسرقة ولا يتورعون عن اقتحام البيوت أو ضرب المتشردين في الشارع بالجلوس في إحدى الحانات والاستمتاع بشرب الخمر المخلوط باللبن، وهذا بالطبع واحد من أهم أمثلة شرب اللبن في السينما من قبل الأشرار، ولعل هناك صورة شهيرة وعصابة المراهقين الأشرار هذه وهم يجلسون في الحانة وورائهم اللافتات والملصقات ويشربون اللبن بكل وداعة ظاهرية، الأمر غريب أليس كذلك؟
ملاك وشيطان
الأمر حتى في الأفلام العربية وهنا لا نتحدث عن شرب الأشرار اللبن في السينما ولكن عن استخدام اللبن في الأفلام لرمزية ما، ونحن إذ نتحدث فنحن نتحدث عن الفيلم المصري ملاك وشيطان وتدور أحداثه عن رشدي أباظة أحد أفراد عصابة تخطف طفلة ابن بائع مجوهرات من أجل طلب فدية وتودع الطفلة عنده، ونرى كيف يمكن لـ “عزت” الشرير أن يأوي الطفلة عنده حتى يوافق الجواهرجي دفع الفدية واستعادة ابنته، كانت الطفلة طوال الفيلم تشرب اللبن وكان يطالبها عزت بشرب اللبن، وفي بعض المشاهد كانا يجلسان متقابلين وبينهما كوب اللبن على الطاولة، فلا ريب إذا أن كوب اللبن هذا كان لغرض ما، واللبن في السينما لا يأتي جزافا.
استخدام اللبن في السينما لكسر النمطية
أحد اهم أسباب استخدام اللبن في السينما هو كسر النمطية، فصورة الشرير التقليدي الذي يتحدث بلهجة حادة وبصوت أجش وبأعين جاحظة وبملامح قاسية ويشرب الخمر والسجائر أصبحت مكررة ومملة وتصيب الجمهور بالملل والرتابة من فرط تكرارها ومشاهدتها عشرات المرات من قبل، لكن يمكن للشرير أن يشرب اللبن ويأكل الكريمة تماما كما العقيد هانز لاندا الذي كان يشرب اللبن بينما هو على وشك إبادة مجموعة من اليهود الآن، قد يكون منطقيًا أن يكون العقيد هانز لاندا رجلا متجردا من كل ملذات الدنيا ولكنه شره فقط للدم وللقتل وللعنف ولا يهمه الطعام ولا الشراب، وهذا للأسف سيكون مكررا ونمطيا لأقصى درجة ولكن العبقرية تكمن في أنه حتى وهو يهتم بشيء مثل اللبن فإنه يفعل ذلك بكل عنف وتعمد لإثارة أعصاب من يحدثه.
إظهار جانب البراءة والخير في الشخصية
نحن نعرف جيدا أن الفن عموما والفن المعتمد على الرواية وتقديم الشخصيات مثل القصة والسينما وغيرها تحاول عدم تقديم الشخصيات في بعد أحادي سطحي بل تحب أن تراه من جميع الأبعاد وتحاول إزالة هذه القشرة السطحية من أجل التوغل إلى أعماقه وعرض الجوانب التي يحاول إخفاؤها، وبما أن اللبن مرتبط بالأطفال أكثر ومرتبط بخير الطبيعة سواء كان من الأم أو من الأنعام والماشية في الريف الجميل والبسيط فلابد أن خلف هذا القناع الواقي من القسوة والعنف والشر المفرط يوجد جانب من الخير والبراءة أيضًا وهذا ما يفعل شرب اللبن في السينما بالنسبة للأشرار حيث يجعلهم ميالون أيضًا للجانب الخيّر فيهم وهذا حدث مع ليون وحدث مع رشدي أباظة في فيلم ملاك وشيطان.
إرباك المشاهد وجذب انتباهه
مثلما تعتمد السينما على تقنيات متعددة من حيث الزاوية التي تتناول بها القصة فهناك طرق تناول تتعمد إرباك المشاهد وجذب انتباهه واللبن في السينما استخدامه الهدف منه إرباك المشاهد فكوب لبن في يد طفل وهو ينعم في دفء منزله برعاية والديه وطمأنينة غرفته ليست كشرير يوشك على ارتكاب جريمة ويشرب اللبن في وداعة، المطلوب هو إرباك المشاهد وجذب انتباهه وإظهار التشوه الداخلي التي وصلت له الشخصيات ودمج عناصر غير متناسقة إطلاقا في المشهد من أجل توصيل الأجواء له، كذلك كافتتاحية فيلم برتقالة آلية كما وصفناها بالأعلى مجموعة من الشباب يشربون اللبن في حانة ومن خلفهم ملصقات الفتيات وغيرها، حيث لا تستطيع تحديد شعورك تجاه المشهد بالضبط.
خاتمة
استخدام اللبن في السينما وربطه بالشخصيات الشريرة له أسباب وجيهة وإيحاءات بصرية ووجدانية يقصدها المخرج عادة ولكل فيلم سياقه ولكل شيء استخدامه.