يُعتبر القيء في الطائرة واحدة من الأمور التي من المحتمل أن يتعرض لها أي شخص يركب الطائرة، وخاصةً إذا كان ذلك الركوب يحدث للمرة الأولى، فمن المعروف أن الطائرة واحدة من وسائل النقل النادر ركوبها، بمعنى أنه إذا كان من الممكن مثلًا ركوب السيارات بنسبة ثمانين في المئة فإن ركوب الطائرة لن يتجاوز نسبة الثلاثة بالمئة من الأشخاص، وربما أقل، وهذا في الأصل راجع إلى الاجتماعية والمادية والسبب الحقيقي الذي قد يجعل شخص يُسافر من بلد إلى أخرى، لكن ما يعنينا من هذا السفر أنه ثمة بعض الأشخاص الذين لا يتحملون ركوب الطائرة ويبدؤون في القيء، وهذا طبعًا يُسبب لهم الإحراج مع الآخرين، خاصةً وأنه الأمر ليس قاعدة، بمعنى أنه ثمة من يركبون الطائرة ولا يقومون بذلك الفعل، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على فعل القيء ولماذا قد يحدث في الطائرة لبعض الأشخاص دون أن يحدث للآخرين أو يحدث معهم مثلًا بدرجة أقل!
الطائرة والسفر
قبل أن نتحدث عن القيء في الطائرة دعونا أولًا نُعرّف بالعلاقة بين الطائرة والسفر، فالطائرة ليست وسيلة نقل قديمة كقدم القطار أو السيارة، بل إن ظهورها لم يُكمل القرن الواحد، وطبعًا جميعنا يعرف أن الطائرة في البداية كانت تُستخدم من أجل الحروب فقط، ثم بعد ذلك، وتحديدًا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فكر الناس في استغلال آخر للطائرة بما أن الحرب قد انتهت، فكان نقل البضائع بالطائرة هو الخيار الأنسب، والحقيقة أن هذا الأمر قد اعتُبر وقتها الخيار الأمثل ونقلة كبيرة في عالم نقل البضائع بسبب الفوارق الكبيرة بين النقل بالطائرة والنقل بالقطار، والذي كان يُعتبر وقتها الطريقة الأمثل والأكثر استخدامًا، لكن التطور التالي لاستخدام الطائرة كان هو النقلة الحقيقية بحد ذاتها.
بعد سنوات قليلة فكر الناس في أن السفر كذلك يُمكن أن يكون ضمن اختصاصات الطائرة، خاصةً مع الوضع في الاعتبار السرعة الكبيرة في النقل وإمكانية اختصار المدد الزمنية الكبيرة التي كانت تُستهلك في السفر، وبالفعل أثبت الأمر فاعليته منذ اللحظة الأولى وحققت الطائرة نجاحًا كبيرًا في عالم النقل، لكن يا تُرى، من يُمكنه ركوب الطائرة؟
من يُمكنه ركوب الطائرة؟
قبل القيء في الطائرة من البديهي جدًا أن نقوم أولًا بركوب تلك الطائرة، والحقيقة أن ثمة سؤال يطرح نفسه وبشدة، وهو من يا تُرى يُمكنه أن يركب تلك الطائرة، وطبعًا هذا السؤال لا يُقصد به حصر ركوب الطائرة على أشخاص معينين دونًا عن سواهم، وإنما نعني بذلك أن نقوم بذكر أهم الفئات التي قد تهتم يومًا بركوب آلة نقل اتفقنا قبل قليل أنها ليست درجة أو منتشرة على نطاق واسع، وإنما هي كذلك لأشخاص محددين نادرين، على رأسهم المسافرين للعمل.
المسافرين للعمل
طبعًا العمل من أهم الأمور التي قد تدفع الأشخاص إلى ترك بلادهم والسفر إلى بلاد أخرى، ولا يتم ذلك إلا من خلال الطائرة القادرة على اختصار الوقت والجهد اختصارًا جيدًا، وقد يتعجب البعض الغير مُدرك لحقيقة الأمور من إقدام أشخاص على السفر إلى بلاد أخرى فقط من أجل إنجاز عمل، إلا أن رجال الأعمال والأشخاص الذين يتعاملون في أعمالهم بصفة دولية يعرفون هذا الأمر جيدًا وشبه متمرسين عليه.
المسافرين للحج
بالنسبة للمسلمين فإن ثمة سبب هام قد يدفع إلى ركوب الطائرة والقيام برحلة سفر طويلة مهما كانت صعوبتها من أجل فعل الأمر الأسمى على الإطلاق، والذي يُعد كذلك ركنًا من أركان الإسلام، ألا وهو الحج، والحقيقة أن الحجاج بالتحديد يجمعهم أمر هام جدًا، وهو أنه لا يُشترط أنه يكونوا أثرياء حتى يقوموا بتلك الرحلة، وإنما فقط يكفي أن تكون قلوبهم عامرة بالإيمان كي يخوضوا الرحلة إلى المملكة العربية السعودية قاصدين زيارة بيت الله العتيق، أو البيت الحرام كما يُعرف.
المسافرين للزيارة
قد تضطرنا الروابط الأسرية أحيانًا إلى القيام برحلات سفر طويلة فقط من أجل الاطمئنان على باقي أفراد العائلة المُغتربين، حيث أنه من الوارد جدًا أن يعيش مجموعة من الأقارب في قارة ويعيش آخرين منهم في قارة أخرى بعيدة كل البعد عن تلك القارة، الفيصل في الأمر هو قوة الرابطة التي تجمع بين العائلات، وهل هم فعلًا مُستعدون للسفر وركوب الطائرة والتضحية بالمال والجهد والوقت أم أن الأمر مجرد كلام على ورق، عمومًا، إذا جلسنا نُعدد الأسباب التي قد تدفع للسفر فإننا سوف نأخذ وقتًا طويلًا جدًا، لذلك دعونا نكتفي بتلك النماذج ونتطرق إلى أمر مهم، وهو القيء في الطائرة، ذلك الفعل الذي ينتج عن سفر تلك الشرائح والفئات التي ذكرناها أو لم نقم بذكرها.
ما هو القيء في الطائرة؟
القيء في الطائرة يعني ببساطة أن يشعر المسافر بحالة من الغثيان الشديدة يدخل على إثرها في دوار جوي يتسلل إلى المعدة من أقصر الطرق ثم يبدأ بعد ذلك في تسبيب التقلب بها، مما يؤدي في النهاية إلى حدوث استفراغ لما تم تخزينه في البطن من قبل، وحتى لو لم يتم تخزين أي شيء من قبل في البطن فإن الأمر كذلك لا يخلو من ألم شديد واعتصار كلي للمعدة، ولا يعرف أحد هل يكتفي ذلك القيء بدرجته الأولى أم أنه سيتطور إلى درجات أشد.
عرف الناس القيء منذ وقت طويل ولأسباب كثيرة لا وقت أو مساحة لذكرها، لكن بالنسبة لنوعية القيء التي نتحدث عنها فهي تحدث باستمرار لكل من يخوض تجربة السفر، وطبعًا أولئك الذين يقلقون سريعًا من مثل هذه الأمور لن يجول بذهنهم لحظة القيء الذي يتعرضون له، أو حتى الذي يتعرض له أقاربهم، سوى سؤال واحد هام، وهو لماذا يحدث ذلك؟
لماذا يحدث القيء في الطائرة؟
هل لكل شيء سبب، بالتأكيد، هذا أمر بديهي، هذا طبعًا بخلاف الأمور الطبيعية التي تحدث دون علمنا ولا نعرف عنها شيء، لكننا نتحدث عن كون في الأصل يعيش على أكتاف السببية، فلكي يسقط الحجر على رأسك، وبعد إرادة الله بالتأكيد، ثمة الكثير من الأمور التي تحدث وتقود بنجاح إلى تلك اللحظة، وإذا طبقنا تلك القاعدة على القيء في الطائرة فإننا بالتأكيد سوف نجد الكثير من الأسباب له، وعلى رأسها مثلًا تقلب الطعام بسبب الاضطراب.
تقلب الطعام بسبب الاضطراب
أول الأسباب التي تجعل القيء في الطائرة أمر محتمل أن يتم تناول الطعام قبل الصعود على الطائرة مباشرةً، أو ثلاث ساعات على الأقل، وعند الصعود وحدوث الاضطراب، خاصةً بسبب الخوف للذين يركبون الطائرة للمرة الأولى، فإن المعدة تبدأ في التقلب، ويتقلب معها الطعام ولا يُصبح مستقرًا مثلما هو الطبيعي في مثل تلك الظروف، ولا يلبث هذا الأمر إلا أن ينقلب بحالة من القيء، وطبعًا الجهات المسئولة عن الطيران تضع هذا الأمر في الحسبان جيدًا وتقوم بتوفير كافة الاحتياطات اللازمة له، لكن عمومًا يكون الاضطراب هو السبب الرئيسي في حدوث القيء وليس تناول الطعام، هو فقط يكون بمثابة الشرارة التي تقود في النهاية إلى الاشتعال.
إدراك العقل لتغير الوسيلة
العقل الموجود في جسم كل شخص ليس بالأمر الهين أبدًا، وإلا ما كان الله ليميز به البشر عن الحيوانات، هذا العقل يُدرك جيدًا أنه ربما في وقت من الأوقات يفقد الشخص السيطرة على جسمه لأي سبب من الأسباب، وفقدان تلك السيطرة يقود بطبيعة الحال إلى ارتكاب تصرفات غير منطقية، وهذا بالضبط ما ينتبه له العقل عندما يقوم الشخص بركوب الطائرة لأول مرة، حيث يشعر بأن شيء ما خاطئ يحدث، فلا يجد سوى تنبيه صاحب الجسد وتحذيره، وهذا التنبيه يكون في صورة ألم في الرأس أو قيء، وهذا الأمر كذلك يحدث خلال النوم، فعملية التقلب التي يقوم بها الجسم خلال النوم قد لا تبدو منطقية للعقل، لذلك فإنه يقوم بعملية إسقاط للجسم لتنبيهه وتحذيره بما يدور حوله.
المنظر المرتفع للطائرة
من ضمن الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث القيء في الطائرة أيضًا أن يقوم المسافر بالنظر من النافذة الخاصة، ففي بعض الأحيان يكون ذلك الشخص غير مؤهل لرؤية نفسه في ذلك الارتفاع الكبير، لذلك فإنه يشعر بصورة فجائية باضطراب يتطور فيما بعد إلى قيء، ولقد كانت الطائرات قديمًا تراعي ذلك الأمر وتقوم بتسويد النوافذ حتى لا يرى المسافر أي شيء من السماء، لكن مؤخرًا تم إلغاء ذلك الحل بدعوى أن البشر باتوا بطبيعتهم متعودين على رؤية الأماكن المرتفعة، فهذا أمر يرونه في المباني التي أصبحت الآن أشبه بناطحات للسحاب.
علاج القيء في الطائرة
ليس صحيحًا أبدًا أن تتعرض للمشكلة دون أن تتعرض كذلك للحلول، فهناك مثال يقول أن كل مشكلة تولد جاهزة بالحل المناسب لها، والحقيقة أن مشكلة مثل القيء في الطائرة قد وُلدت متحصنة بالكثير من الحلول، على رأسها مثلًا عدم الإسهاب في تناول الطعام قبل الصعود إلى الطائرة، أو عدم تناول الطعام من الأساس، فشركات الطيران تعرف جيدًا مشكلة القيء في الطائرة وتعرف أن الحل الأمثل لها هو تناول الطعام على سطح الطائرة نفسها، وبالطبع لم يُجرب أحد من قبل السفر دون أن يجد وجبة رئيسية يتم تناولها في أوقات محددة حسب التعليمات الطبية وما يُمكن أن تتحمله المعدة دون أن يتسبب في وقوع القيء، بل وهناك وجبتين إذا كانت المسافة طويلة، أي أن الأمر محسوب ومدروس.
أيضًا، وبعيدًا عن الوقاية، ثمة بعض الأدوية التي ينصح الأطباء المسافرين باصطحابها قبل الصعود على الطائرة، فحتى إذا لم يكن هناك أي خطر أو تهديد بحدوث القيء يجب أيضًا أن يتم اصطحاب حقيبة الأدوية تلك، فلا أحد يضمن الظروف وما يُمكن أن تقود إليه بصورة مفاجئة، وطبعًا يُمكن أن تعير أدويتك لأي شخص يحتاجها في الطائرة، أي أنك ستلجأ إليها ولا مفر أبدًا من ذلك الأمر، أما أسلوب العلاج الأخير لحدوث ذلك الأمر فهو يكمن في تجنب الاضطرابات النفسية أو التوتر وعدم النظر من نافذة الطائرة إلا للضرورة القصوى.
ختامًا
يجب علينا أن نعي جيدًا أن ثمة أشخاص خلقوا للتأثر بما يحدث في الطائرة وبالتالي يتعرضون لعملية القيء، في الوقت الذي ثمة آخرين لا يشعرون أبدًا بذلك الأمر حتى ولو تناولوا جملًا قبل الصعود على متن الطائرة.