العمليات الجراحية في كثير من الأحيان تكون طوق النجاة الأخير بالنسبة للمريض، ومع الصحوة التكنولوجية التي شهدها المجال الطبي خلال العقدين الماضيين، ارتفعت نسبة نجاح العمليات الجراحية باختلاف أنواعها، وصارت في نظر الكثير من الأطباء الحل الأمثل والأسرع والأكثر فاعلية، ولكن في الآونة الأخيرة بدأت المراكز الطبية الكبرى تضم أخصائي نفسي إلى الفريق الطبي، يكون مسئولاً عن تهيئة المريض لإجراء الجراحة، ويساعده على تخطي حالة الاكتئاب التي تصيبه بعد إتمامها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما أهمية الدور الذي يلعبه الاخصائي النفسي؟ وما العلاقة بين العمليات الجراحية وبين الاضطرابات النفسية ؟
أسباب اكتئاب ما بعد العمليات الجراحية :
حدد العلماء مجموعة العوامل التي تؤدي لإصابة المرضى بحالة من الاكتئاب، أو أي نوع آخر من الاضطرابات النفسية بعد خضوعهم لإي من العمليات الجراحية ،وأوجزوها في الآتي:
النتائج والطموحات :
العامل الأكثر شيوعاً بين العوامل التي تتسبب في شعور المريض بحالة من الاكتئاب أو أي شكل آخر من الاضطرابات النفسية بعد الخضوع لإحدى العمليات الجراحية ،هو ارتفاع سقف طموحات المريض، وشعوره الداخلي بإن العملية الجراحية هي نهاية المطاف والحل السحري الذي سيحقق له رغباته، سواء كان تتمثل في الخلاص من آلام المرض أو علاج تشوه أو إعاقة وما إلى ذلك. ولكن في كثير من الأحيان لا تتحقق النتائج المرجوة من الجراحة كاملة، مما يؤثر بشكل سلبي على الحالة النفسية للمريض، وأكثر المرضى تعرضاً لهذا النوع من الاكتئاب، هم من يقدمون على إجراء عمليات التجميل بهدف تحسين مظهرهم، ثم يفاجئون بإن النتيجة التي تحققت مخالفة للمتوقع وغير مرضية لآمالهم.
التكيف :
ثاني العوامل المسببة للتعرض لنوبات الاكتئاب خلال الأسابيع التالية لإجراء إحدى العمليات الجراحية ،يتمثل في عدم قدرة المريض على التكيف مع التغير الذي طرأ على مظهره، سواء كان ذلك التغير سلبياً أو إيجابياً، فلا فرق بين حدوث تشوهات أو ندبات وبين إجراء جراحة تجميلية، ففي كلا الحالتين يشعر المريض بالغربة عن مطالعته لانعكاسه بالمرآة، وتزداد حِدة الضيق ويتضاعف تأثير المشاعر السلبية، كلما كان العضو الذي أثر به التغير أكثر وضوحاً بالجسم، مثل الوجه والكفين والجزء العلوي من العنق، ولهذا فإن الأكثر عرضة للاكتئاب بين الخاضعين لأي من العمليات الجراحية التجميلية ،هم من يجرون عملية تجميل الأنف، ذلك لأن الأنف هي العضو الأبرز بالوجه، وأي تغير به يؤثر على شكل الملامح بصفة عامة.
الإحساس بالنقص :
أيضاً حدة الاكتئاب الذي يصيب المريض يختلف باختلاف نوع العمليات الجراحية وشدتها وآثارها، ونوبات الاكتئاب الشديدة تكون في الغالب من نصيب خضعوا لعملية جراحية بهدف استئصال أو بتر عضو ما، وذلك لإن المريض حين يفيق من التخدير ينتابه منذ اللحظة الأولى شعوراً بالنقص، نتيجة لفقدانه أحد أطرافه أو أي من أعضاء جسمه، والنساء أكثر عرضة لهذا النمط من الاكتئاب الحاد من الرجال، خاصة من يجرين منهن عملية استئصال لأجزاء بالغة الحساسية بالنسبة لهن، مثل عمليات استئصال الثدي لمكافحة مرض السرطان، أو من يقمن باستئصال عضو الرحم أو المبيضين، فإن ذلك يفقدهن إحساسهن بالأنوثة ويقتل حلمهن في الأمومة، وهي بالتأكيد تجربة مريرة وقاسية لابد وأن تترك أثراً سلبياً بنفس المريضة.
الرهبة :
في كثير من الأحيان الاضطراب النفسي يبدأ في مرحلة مبكرة، تسبق أحياناً إجراء العمليات الجراحية ،ويكون السبب في ذلك هو رهبة المريض من الموت، وتزداد شدة التوتر والقلق وتتضاعف حِدة الاضطراب النفسي كلما انخفضت نسبة نجاح تلك العملية، وأكثر الأشخاص تعرضاً لتلك الاختلالات النفسية هم المقدمين على إجراء العمليات الخطيرة المهددة للحياة، مثل عمليات الإجهاض أو العمليات المتعلقة بعضلة القلب والشرايين، وفي تلك الحالات لابد من الاستعانة بطبيب مختص، كي يساعد المريض ويهيئه نفسياً قبل الدخول إلى غرفة العمليات.