جميعنا يعرف طبعًا أنه ثمة أشخاص يعشقون الماء والسباحة وآخرون يشعرون بـ العجز عن السباحة ولا يطيقون أصلًا الاقتراب من البحر، وطبعًا النوعين واردين جدًا وليس من النادر أن نجدهما في كل مكان في العالم، ولو كان الأمر يتوقف عند هذا الحد لما استحق أصلًا الحديث عنه، لكن في عالمنا أيضًا نرى أشخاص يدعون العجز عن السباحة بالرغم من أنهم لم يقوموا أصلًا بتجربة الأمر من قبل، بمعنى أدق، هم لا يعرفون إذا ما كانوا فعلًا يستطيعون السباحة أم لا، لكنهم فقد يشعرون أنهم عاجزون عن فعل ذلك، وبناءً على ذلك الشعور تجدهم يمتنعون عن التجريب أو حتى الاحتكاك بالماء عن قرب، وهو أمر مُدهش بكل تأكيد يجعلك تُفكر فيه عن قرب لتعرف الأسباب الحقيقية التي أدت إليه، وهذه هي مهمتنا خلال السطور القليلة المقبلة، أن نُفسر شعور البعض بالعجز عن السباحة على الرغم من أنهم لم يحاولوا من قبل، فهل أنتم مستعدون لكشف الستار عن ذلك السر؟ حسنًا لنبدأ.
وجود فوبيا سابقة من الماء
هناك تعريف علمي طبي نفسي شهير يُعرف باسم الفوبيا، تلك الفوبيا إذا ما أردنا وضع مصطلح عربي مطابق لها فيُمكننا القول إنها مرض الخوف، أي عندما يكون خوفك من الشيء ليس مجرد أمر عادي، وإنما وصل لمرحلة تجعل منه مرض شديد الخطورة، في هذه اللحظة يُمكننا القول إنها فوبيا حقيقية تستحق الاهتمام، والحقيقة أن أشهر أنواع الفوبيا الشائعة في عالمنا فوبيا الأماكن المرتفعة، ثم بعدها بمسافة كبيرة تأتي فوبيا الماء الشهيرة، تلك التي قد تجعلنا نشعر بذلك الشعور الغريب الذي نتحدث عنه، وهو العجز عن السباحة بالرغم من عدم المحاولة أصلًا.
فوبيا الماء ليس من الضروري أن تنشأ لسبب خاص بك، فقد تكون لعوامل وراثية أو نتيجة لأحداث تراكمية ربما لا تتذكرها أصلًا، لكنها قد أثرت فيك إلى الدرجة التي تجعلك تأخذ قرارًا حاسمًا بعدم الاقتراب من البحر، وعادة المُصابين بهذه النوعية من الفوبيا أنهم قد يقاتلون حتى النفس الأخير كي يظلوا على حالتهم هذه، فقوة الفوبيا هنا تكمن في شعور الخوف الذي تبثه في الشخص المريض بها، وهذا طبعًا يجعل منها سببًا قويًا من أسباب الشعور بالعجز عن السباحة دون أن يكون هناك أي محاولات سابقة، فقط مجرد شعور قوي لا أساس له.
عدم الرغبة في المجازفة من أسباب العجز عن السباحة
هناك أشخاص يمتلكون شخصيات مترددة ومتخوفة بعض الشيء، هؤلاء الأشخاص تقودهم شخصياتهم إلى الكثير من الأمور الأخرى، فعلى سبيل المثال تجدهم يُضيعون فرص عظيمة فقط لمجرد وجود احتمال طفيف بأن هذه الفرص ليست جيدة وأنها قد تكون مُشتملة على خسائر لهم، وفي هذه الحالة يقومون بالتضحية تجنبًا للمجازفة التي ستقودهم من وجهة نظرهم إلى الفشل، وفيما يتعلق بمسألة العجز عن السباحة فإن الأمور تبدو متشابهة إلى حدٍ كبير، حيث أن الأشخاص يكونون غير مُجربين من قبل للسباحة ولا يعرفونه من قريب أو من بعيد، وربما أصلًا يقفون أمام بحر للمرة الأولى في حياتهم، وبالرغم من كل ذلك تجدهم بكل بساطة يدعون أنهم لا يقدرون على السباحة.
فكرة المجازفة والخوف منها فكرة مطروحة منذ قديم الأزل بكل تأكيد، لكن ما نتحدث عنه هنا هو الخوف الشديد من المجازفة الذي يكاد يُقرّبها من الفوبيا، ولا نقول إنها فوبيا لكنها مبالغة شديدة في عدم المجازفة، وطبعًا إذا أردنا منح عذرًا لهؤلاء الخائفين من المجازفة فسنقول مثلًا أنهم يرفضون في مثل هذه الحالات المجازفة بأهم شيء يُمكن أن يمتلكه الإنسان في يومٍ من الأيام، حياتهم، وهل يكون الأمر سهلًا عندما يتعلق بالحياة؟ بالتأكيد لا.
الاستماع إلى أخبار الغرقى وضحايا السباحة
سبب آخر يجعل الأشخاص يشعرون أنهم عاجزون عن السباحة على الرغم من أنهم في الأساس لم يقوموا بالمحاولة، وهذا السبب يتعلق بما يسمعونه من أخبار عن الأشخاص الذين يخوضون تجربة السباحة، وما يحدث في بعض الأحيان من غرق يتبعه موت، فتلك الأخبار عندما يسمعها شخص لم يُجرب السباحة من قبل يشعر يقينًا أنه سوف يتعرض لنفس التجربة، فإن كان ذلك الشخص قد فشل على الرغم من علمه المُسبق بالسباحة فما الذي سيحدث له وهو الذي لم يلمس الماء من قبل؟ ضعوا أنفسكم مكان هذا الشخص ثم انظروا إلى أين سيقودكم التفكير في الأمر.
أخبار الغرقى وضحايا السباحة أصبحت تحت الأضواء في الآونة الأخيرة بسبب تضخم الآلة الإعلامية، وهو ما منحها انتشارًا أكبر وبالتالي درجة حرص أعظم، فطبيعة الإنسان أنه يمتثل للتعليمات والنصائح التي تأتي في صورة تجارب وليس تلك التي تكون في صورة نصح مباشر، فعندما تقول لشخص لا تقتل ربما يُفكر في الأمر، لكن عندما يعرف عاقبة القتلة فلن يتردد طبعًا في الابتعاد عن الأمر برمته، وهكذا الأمر بالنسبة لأخبار الغرقى وتأثيرها على الأشخاص الذين لم يخوضوا تجربة السباحة من قبل.
صعوبة تعلم السباحة من الأساس
ثمة مبرر جديد يجعل البعض يعتقد أنه مصاب بشعور العجز عن السباحة حتى قبل أن يُفكر في تجريب الأمر، ذلك السبب هو صعوبة تعلم السباحة من الأساس، فكما نعرف جميعًا، تعلم أي أمر جديد يُمكن أن يحمل نسبة مخاطرة تُعادل حوالي خمسين بالمئة، لكن فيما يتعلق بالسباحة فإن النسبة ربما تصل إلى سبعين وثمانين بالمئة، ففي النهاية أنت ستُترك داخل مكان كبير مُمتلئ بالماء، ولا تعرف كيف سيتعامل جسمك مع هذا الماء الغزير، وهل أصلًا سيُحرك ساكنًا أم أنك ستفشل منذ الوهلة الأولى، والواقع أن نظرة بعيدة للأمر سوف تجعلك تشعر بخطورته على الفور، وسوف يتسرب إليك إحساس ينطلي على وجود صعوبة كبيرة في تعلم السباحة مهما كانت الطُرق المستخدمة في عملية التعلم تلك.
الصعوبة مع وجود سبب سابق مثل مُطالعة أخبار الذين يتعرضون للغرق مثلًا سوف يكونان مبرران قادران بسهولة على الامتزاج والخروج في النهاية بشعور كامل بالعجز، ولكي نُساعد هؤلاء فليس علينا سوى فعل أمر واحد هام أولًا، وهو إبعادهم عن كافة الأخبار التي تتناول الغرق من قريب أو بعيد، بعد ذلك يُمكننا إزالة الشعور بالخوف أيضًا من خلال تجريب السباحة أمامهم، فطبيعة البشر وفطرتهم تجعلهم يشعرون بالسكينة عندما يرون بشر مثلهم يخوضون نفس التجربة التي سيقدمون عليها، فبتلك الطريقة تصل رسالة مفادها أنه كما يوجد أشخاص يفشلون بالأمر هناك كذلك من ينجحون.
ختامًا، كي تُزيل تلك العقدة السيئة وتعرف أنك لا تُعاني من أي عجز عن السباحة غالبًا، فليس عليك ببساطة سوى التجريب، فالتجريب يا سادة هو ما يُنهي كل شيء ويضع النقاط فوق الأحرف، لكن احرص على أن تُجرب السباحة أمام مراقبة من قِبل أحد الأشخاص المُجيدين للسباحة حتى لا تحدث أي مأساة لا قدر الله.