سلسلة السرعة والغضب Fast and Furious هي واحدة من سلاسل الأفلام الأشهر في تاريخ فن السينما، وقد بدأ عرض الجزء الأول من السلسلة في عام 2001م، بينما تم تقديم آخر أجزائها في عام 2017م بعنوان The Fate of The Furious، وتشمل الخطة الإنتاجية تقديم جزئين إضافيين من السلسلة يتم عرضهم في 2019م و2021م. تعتبر سلسلة السرعة والغضب السلسلة السينمائية الأكثر شعبية وقد تخطت إيرادات آخر أجزائها حاجز المليار دولار أمريكي، فترى لماذا ؟ وما سر النجاح السابق الذي حققته؟
عوامل تميز سلسلة أفلام السرعة والغضب :
تفوقت سلسلة السرعة والغضب على غيرها من السلاسل السينمائية من خلال العديد من العوامل التي ساهمت في تمييزها وبالتالي نجاحها واستمراريتها، ومن أبرز تلك العوامل:
فريق الأبطال المتكامل :
تعتمد أغلب أفلام الأكشن على البطل المفرد الذي واجه المخاطر وحيداً مثل أفلام جون ويك John Wick بطولة كيانو ريفز أو سلسلة Taken بطولة ليام نيسون، بينما اعتمدت كتابة السيناريو لبعض الأعمال على المزج بين أسلوب البطل الفردي والفريق، من خلال وضع بطل وحيد في بؤرة الأحداث يدعمه فريق معاون على درجة أقل من الأهمية والتأثير مثل سلسلة مهمة مستحيلة Mission Impossible أو سلسلة ماتريكس The Matrix.
تلك أيضاً واحدة من القواعد التي تمردت عليها سلسلة أفلام السرعة والغضب منذ الجزء الأول، فعلى الرغم من أن شخصية دومينيك تورينتو هي الشخصية الرئيسي ضمن الأحداث، إلا أن لا يمكن وصف باقي أعضاء الفريق بالشخصيات المساندة أو المعاونة، بل أن في بعض الأحيان كانت تلك الشخصيات هي الأكثر تأثيراً والأكثر دفعاً للأحداث، وقد ساهم ذلك في جعل سلسلة السرعة والغضب أكثر توازناً وتكاملاً كما مكن صُناعها من تفادي الوقوع في فخ الملل والتكرار.
التحرر من فكرة البطل الوحيد :
سلسلة السرعة والغضب تسير وفق خطة محكمة تعتمد بشكل رئيسي على تصاعد الأحداث متحررة بذلك من مركزية البطل الرئيسي، بمعنى أن كل جزء يتم تقديمه من السلسلة هو عبارة عن فصل من القصة الرئيسية يُكمل ما سبقه ويمهد الطريق أمام ما يليه من أجزاء.
أكبر دليل على أن السرعة والغضب متحرراً من فكرة البطل الأوحد هو أن هناك جزئين كاملين من السلسلة تم تقديمهما بدون نجم السلسلة الرئيسية فين ديزل وهما:
- الجزء الثاني 2 Fast and Furious
- الجزء الثالث Fast and Furious: Tokyo Drift
التجديد على مستوى الشخصيات :
بعض سلاسل الأفلام انتهت بنفس الشخصيات التي بدأت من خلالها، والسلاسل من ذلك النوع كان عمرها على الشاشة قصير ولم يتجاوز ثلاثة أجزاء تقريباً، بينما من أهم مميزات البناء الدرامي لسلسلة أفلام السرعة والغضب أنها قابلة للتجديد على مستوى الشخصيات، وقد نجحت بالفعل على مدار الأجزاء خلق المزيد من الشخصيات وبالتالي جذب عدد أكبر من النجوم مما ساهم في إعادة إنعاش السلسلة ومن أبرز تلك الشخصيات:
- شخصية رومان – الممثل تريسي جيبسون ابتداءً من الجزء الثاني
- شخصية الضابط هوبس – الممثل داوني جونسون “ذا روك” ابتداءً من الجزء الخامس
- شخصية ديكارد شاو – الممثل جيسون ستاثام ابتداءً من الجزء السابع
التجديد على مستوى الأحداث :
السؤال الذي يشغل عقل أغلب هواة مشاهدة الأفلام هو: إلى أي مدى يمكن لسلسلة السرعة والغضب أن تستمر دون أن تقع في فخ الملل والتكرار؟، وذلك السؤال لا يمكن الإجابة عليه بدقة حيث أن السلسلة قد وصلت إلى الجزء الثامن ولا يزال الجمهور يتابعها بشغف واهتمام، والفضل في ذلك يرجع إلى السيناريو القادر على الإبداع والتجديد.
سلسلة السرعة والغضب حتى اليوم لم تعتمد على أسلوب درامي واحد كما هو الحال بالنسبة لأغلب السلاسل الشبيهة، بل اعتمدت في بعض الأجزاء على فكرة المهام الانتحارية المستحيلة وفي أجزاء أخرى تم تأسيسها على فكرة الانتقام وأجزاء أخرى اكتفت برصد كواليس عالم سباقات السيارات غير الشرعية، وهذا كله جعل من الصعب توقع الأحداث المستقبلية وحافظ على شغف الجماهير بالسلسلة.
التضحية بالشخصيات لصالح الدراما :
جرت العادة على استمرار مجموعة الأبطال الرئيسيين إلى نهاية سلسلة الأفلام أو مواسم المسلسل التلفزيوني، إلا أن بعض الأعمال الفنية تعمدت خرق تلك القاعدة، حيث يرى صناعها أن الصدمة ومخالفة التوقعات قد تكون أحد أسباب انجذاب المشاهد إلى تلك الأعمال، كما أنها تجعل الأحداث الدرامية أكثر اتساقاً مع قواعد علم المنطق وأكثر قابلية للتصديق، من الأعمال التي اعتمدت على ذلك الأسلوب مسلسل لوست Lost ومسلسل لعبة العروش Game of thrones، حيث كان المشاهدون يتابعون الأحداث بكثير من التوتر حيث أنهم لا يستبعدون فقدان شخصيتهم المفضلة في أي لحظة.
سارت سلسلة السرعة والغضب على نفس النهج الذي اتبعته الأعمال المذكورة، بخلاف شخصية برايان أوكونور التي خرجت من الأحداث بسبب وفاة الممثل بول ووكر، فإن السلسلة قد ضحت بالكثير من الشخصيات التي كانت تحظى بشعبية كبيرة مثل:
- شخصية هان من تجسيد سونج كانج
- شخصية جيسلي من تجسيد جال جادوت
- شخصية إيلنا من تجسيد إلسا باتاكي
رغم أن وفاة تلك الشخصيات ضمن الأحداث شكلت صدمة للمتلقي إلا أنها رفعت سقف التوقعات وزادت من درجة تفاعله مع مشاهد الإثارة والتشويق، حيث لا توجد شخصيات آمنة ضمن سلسلة السرعة والغضب والجميع قابل للموت في أي لحظة، وقد أشارت بعض التقارير الصحفية إلى احتمالية وفاة شخصية ليتي -الشخصية النسائية الرئيسية- التي تجسدها ميشيل رودريجز ضمن أحداث الجزء التاسع من السلسلة، لكن لا يمكن الجزم بذلك إلا بعد عرض الفيلم في 2018م.
الكوميديا والرومانسية :
عند الحديث عن سلسلة السرعة والغضب فإننا نتحدث عن واحدة من أبرز سلاسل أفلام الجريمة والإثارة في تاريخ الفن السابع، وهي المنافس الأقوى لمجموعة سلاسل الأفلام من نفس النمط مثل مهمة مستحيلة Mission Impossible وسلسلة المرتزقة The Expendables.
لكن ما يميز سلسلة أفلام السرعة والغضب عن سلاسل الأفلام المشابهة هو حرص صناعها منذ البداية على تقديم وجبة سينمائية متكاملة، تعتمد بشكل رئيسي على الإثارة والتشويق ومشاهد القتال والمطاردات المصممة باحترافية شديدة، لكن دون الإخلال بعنصري الرومانسية والكوميديا.
ركزت أحداث سلسلة السرعة والغضب على مدى أجزائها الثمانية التي سبق تقديمها على عاطفة الحب من خلال قصص الحب التي جمعت بين الأبطال، وعلى رأسها قصة بطل السلسلة دومينيك تورينتو أو فين ديزل وزوجته ليتي، وكذلك قصة برايان أوكونور ومايا تورينتو التي تمثل خط درامي مستقل داخل الأحداث، إلى جانب قصة الفتى الآسيوي هان والفتاة جيسلي التي انتهت بشكل مأساوي بوفاة طرفيها، أما الكوميديا فيحمل لواءها الثنائي رومان وتيج وقد نجح كلاهما في رسم ابتسامة على شفاه الجمهور بمجرد ظهورهم على الشاشة.
الاهتمام بجانب الشر :
صدق أو لا تصدق فإن شخصيات الخصوم كانت سبباً في نجاح بعض الأفلام وفشل البعض الآخر وفقاً لما أكده النقاد، مثال ذلك ثلاثية فارس الظلام The Dark Knight والتي كانت الشخصيات الشريرة أحد أسباب الارتقاء بها، في حين يعد الإهمال في تقديم جانب الشر كان ضمن عوامل فشل فيلم سبايدر مان المذهل.
انتبه صناع سلسلة السرعة والغضب إلى تلك القاعدة ولذلك تعدد الشخصيات على جانب الخير لم يؤثر على درجة اهتمامهم بشخصيات الخصوم أو الأشرار، حيث أفسحوا لها الوقت الكافي على الشاشة وقاموا بنحتها بعناية شديدة واهتموا بتوضيح خلفيات ودوافع تلك الشخصيات مما جعل ردود أفعالهم ضمن الأحداث مُفسرة ومنطقية، أما على مستوى التجسيد فقد اهتموا باختيار مجموعة من أبرز الأسماء في عاصمة السينما هوليوود مثل النجم جيسون ستاثام الذي جسد شخصية شاو والنجمة تشارلز ثيرون التي جسدت شخصية سايفر بالجزء الثامن.
الاحترافية في تنفيذ مشاهد الإثارة :
تحمل سلسلة فاست آند فريوس تصنيف رئيسي وآخر فرعي، الرئيسي هو أنها تنتمي إلى مجموعة أفلام الإثارة والتشويق والفرعي هو كونها إحدى سلاسل أفلام سباقات السيارات، وبناء على ذلك كان من الطبيعي أن تحتوي السلسلة على كم كبير من مشاهد القتال والمطاردات وتعتمد عليها بشكل رئيسي في جذب الجماهير، وقد نجح المخرجين في تقديم تلك المشاهد من خلال أفكار ولقطات جديدة وغير معهودة في عالم السينما لم يسبقهم إليها أي مخرج آخر.
برع مخرجي السلسلة في تقديم هذا النوع من المشاهد وأهم ما يميزها هو عدم اعتمادها على تقنيات الخدع البصرية إلا بنسبة بالغة صغيرة، بينما أغلبها قد تم تنفيذه بشكل فعلي على أرض الواقع باستخدام سيارات حقيقية، ورغم أن ذلك تسبب في رفع ميزانية الإنتاج إلا أن صناع السلسلة لا يزالوا متمسكين بتلك القاعدة معتبرين إياها من أهم عوامل تميز السلسلة وأحد أسرار انجذاب الجمهور إليها، خاصة أن الأمر لم يقتصر على السيارات فحسب وتطورت خلال الأجزاء الأخيرة ليشمل الطائرات والدبابات والغواصات.