تعتبر قصة حرب البسوس أو ما تعرف باسم قصة الزير سالم من أقوى الملاحم في التراث العربي لدينا وهي عبارة عن حرب قيل أنها استمرت نحو أربعون عاما بين قبيلة تغلب وبني شيبان، وقصتها باختصار هي قتل جساس لكليب على أثر فتنة أقامتها البسوس الحكيمة الشاعرة من قبيلة شيبان ضد بني تغلب بسبب قتل كليب لناقة للبسوس كانت ترعى في أملاكه فأثار ذلك عدي بن ربيعة شقيق كليب ولقبه الزير سالم والمهلهل وكان شاعرا عظيما فأقسم ألا يترك ثأر كليب أبدا وقادت رحى الحرب، وظلت هذه الملحمة تلهم كل باحث في التاريخ العربي حتى الآن، وتغنى بها الشعراء ورواها الرواة.
مسلسل الزير سالم
على الرغم من أن قصة الزير سالم كانت بالفعل متداولة بغزارة خصوصًا في الأساطير الشعبية واقتربت من شهرة تغريبة بني هلال وأساطير الزناتي خليفة وأبا زيد الهلالي ودياب بن غانم إلا أن مسلسل الزير سالم السوري والذي قام ببطولته عابد فهد وسلوم حداد وأخرجه حاتم علي أعطى للقصة قبلة الحياة من جديد بعد اندثارها وانحسارها عن الأجيال الجديدة والذي أعتبر المسلسل بدوره ملحمة من أهم ملاحم الدراما السورية بأكملها وليس العربية فحسب.
المضامين الأخلاقية بها
في قصة حرب البسوس أو الزير سالم نجد جميع القيم والمعاني والمضامين الأخلاقية، نجد الحب والثأر والشجاعة والقوة والبأس والتضحية والشرف والنضال ونرى القبلية والعصبية أيضًا، نرى اليُتم متجسدا في اليمامة بنت كليب ونرى الوفاء متجسدا في الزير سالم وإصراره على الثأر لشقيقه كليب، تحتوي هذه القصة على الكثير من المستويات التي تجعلها ملحمة حقيقية تمس قلب كل عربي بل وكل إنسان لو فهمها جيدا.
التسلسل الدرامي للقصة
أجمل ما في ملحمة الزير سالم هو الثراء في الأحداث والشخصيات والتسلسل الدرامي الذي يجعلك حين تسمعها تشعر بالانجذاب لها وتظل تتساءل ثم ماذا بعد؟ ثم ماذا بعد؟ الجاذبية التي في الأحداث تجعل أي شخص يحب هذه الملحمة وينتظر أحداثها خصوصا أنها مناسبة لأي شخص لما فيها من أخبار الحروب التي تناسب الجميع والحكمة وفيها من الأخلاق وفيها أيضًا من الفلسفة ما يجعلها تناسب كافة الأطياف.
قوة الشخصيات في سيرة الزير سالم وبأسها
من الأشياء الرائعة جدا فيما يخص ملحمة الزير سَالم قوة الشخصيات وبأسها، الشخصيات جميعها على اتساعها لكل فرد حكايته ولكل شخصية خلفيتها الخاصة ودوافعها ورغم سيادة النظام القبلي عليهم إلا أنهم جميعا وبلا استثناء شخصيات متفردة وفريدة بشكل يخلق وفرة في الملحمية، ليس هناك فيهم شخصية عادية أو مملة، كلهم بلا استثناء شخصيات مثيرة وتفاعلها مع بعضها يخلق الكثير والكثير من الأحداث المشوقة والأسطورية.
ديوان أمل دنقل عنها
أريد أن أقول بالمناسبة أن قصة الزير سالم خلدها أكثر وأكثر الشاعر الكبير أمل دنقل في ديوانه “أقوال جديدة عن حرب البسوس” والذي احتوى على قصيدته الخالدة لا تصالح والتي كانت مصاغه على أنها وصية يوصي بها كليب أخاه الزير سَالم ألا يصالح أبدا وأن يأخذ بثأره ممن قتله غدرا من الخلف، وقد أسقطها البعض إسقاطات سياسية لكن القصيدة مثل الملحمة يمكنك أن تخرج منها بأي معنى تريده.
ملحمة الزير سالم من أهم الملاحم التي مرت على التراث العربي، وكلما خمدت أو اندثرت ظل هناك من يذكرنا بها على مر الأزمنة، وهي تستحق الخلود فعلا.