في هذا المقال نتحدث عن الرؤية الشرعية من الخاطب للمخطوبة ولعل الكثير من المتزمتين والمتشددين في الدين الذين يحرمون كل شيء ويمنعون أبسط الحقوق لا يعلمون أن الرؤية الشرعية للمخطوبة والخاطب كلاهما أمرٌ هام والأشخاص الذين لا يعرفون أن الرسول نفسه كان يحض الخُطاب على النظر لمخطوباتهم لأن هذا أحرى أن يقرّب بينهما أكثر كما جاء في الحديث الشريف فلماذا شُرعت الرؤية الشرعية وما هي أهميتها ومميزاتها وثمارها؟ هذا ما سنتحدث عنه في السطور التالية:
القبول المظهري
من أهم أسباب إباحة الرؤية الشرعية هو اختبار القبول المظهري بين الطرفين لأن المظهر أمر مهم جدا في الزواج ولا ينبغي أن تتزوج امرأة وأنت لا تقبل مظهرها ولا يمكن أن تتزوج امرأة رجلا وهي لا تشعر أن مظهره رجولي أو وسيم ومقاييس الوسامة هنا تختلف باختلاف الأشخاص وليست مقاييس عامة فما يعجبك قد لا يعجب غيرك وما لا يلقى قبولا في نفس غيرك قد يجد انبهارا في نفسك بالتالي القبول المظهري هام وطبيعي ولا يجب أن نقلل منه ولا يجب على الخاطبين أو المخطوبات أن يخجلوا من أهميته ولو رفض أي الطرفين الطرف الآخر بسبب مظهره فهذا لا عيب فيه على الإطلاق ولكن من الأفضل ألا يُجرّح فيه أو يذكر السبب صراحة حتى لا يجرح مشاعره أو يؤذيه نفسيا.
القبول النفسي
إلى جانب القبول المظهري يوجد القبول النفسي وهو أمر بالغ الأهمية يُباح بإباحة الرؤية الشرعية وقد ترى فتاة جميلة جدا ودقيقة الملامح وبهية الطلعة وفاتنة القسمات إلا أنك لا تستلطفها ولا تستخف ظلها وتشعر بأن وجودك معها يثقل على قلبك والمزيد من التعامل معها قد يلغي أيضا جمال مظهرها وهذا القبول النفسي ليس له أي مبررات منطقية وليس له أي دوافع عقلانية، إنما هي الأرواح جنود مجندة كما ذكر النبي (ص) ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وليس من الطبيعي أن تقبل كل الناس بنفس الشكل وهذا لا عيب فيه أيضًا ولا مجاملة لأنه زواج، والزواج لا يمكن أن يتم عن طريق الإحراج والمجاملة وإكراه النفس على ما لا تقبله.
التقارب الفكري
من أسباب الرؤية الشرعية أيضًا استعراض مدى درجة التقارب الفكري بين الطرفين لأن الزواج عبارة عن شركة صغيرة بين طرفين يجب أن يكون بينهما توافق ورؤى موحدة أو على الأقل متقاربة تجاه الحياة ولذلك لم تباح الرؤية الشرعية من أجل النظر فقط بل يجب أن يجلسا كلا الطرفين ويتحدثا حتى يظهرا طباعهما وفكرهما سويا ولو كانت الرؤية الشرعية من أجل القبول المظهري فحسب لاكتفينا بالنظرة دون الجلوس والحديث ولكن شُرع الجلوس والحديث إلى جانب النظر حتى يعرف كلا منهما طباع الآخر ووجهة نظره وأفكاره حتى يعلم هل هو مناسب له أم لا، وهذا هو جوهر الزواج وثمرته، لأن الإعجاب المظهري لا يمكن أبدا أن يبنى عليه زواج وحياة مشتركة بين طرفين.
دخول البيوت من أبوابها
من فوائد الرؤية الشرعية أيضًا دخول البيوت من أبوابها، حيث أن الشخص الذي يريد أن يخطب امرأة يجب أن يراها في بيت أهلها ويتحدث معها في وجود نفر من أهلها ويفضل والدتها حتى يتم هذا تحت الإشراف العائلي للمخطوبة دون ترك فرصة للتلصص والأشخاص غير الجادين بهدف أنهم يريدون رؤية من يريدون خطبتها لذلك ألزم الإسلام العائلات بإتاحة الرؤية الشرعية وكان لابد من إلحاق صفة “الشرعية” بها حتى نتأكد أنها مُشرعة من قبل الحق تبارك وتعالى لا فضلا ولا منة حتى لا يتسرب الشك للنفوس المريضة.
التأكيد على أهمية الاحتكاك بين الجنسين في الحدود المتاحة
قد يظن البعض أن الدين قد حرم التعامل بين الرجال والنساء بشكل عام وحبّذ ألا يتم على الإطلاق ولكن هذا ليس صحيح فالدين حض على التعامل بين الجنسين ولكن في الحدود التي وضعها من أجل تحقيق التعاون والمشاركة بينهما وفي نفس الوقت درء أي فتن أو مفاسد قد تحدث من خلال هذه الاحتكاكات ولذلك أبيحت الرؤية الشرعية وسواء كانت نتيجة هذه الرؤية إيجابية أو سلبية فإنه في النهاية تظل من الأمور التي توجب فيها التعامل والاحتكاك بين الجنسين كما أمرنا ديننا الحنيف طالما كان الأمر معلنا ورسميا وبعلم الأسرتين وتحت إشرافهم.
غلق الباب أمام المتلصصين وغير الجادين
يوجد بعض الفقهاء من أباحوا الرؤية الشرعية خلسة ولكن الرأي الراجح من جمهور الفقهاء هو أن تتم الرؤية الشرعية تحت إشراف العائلتين وفي حضور بعض منهم حتى لا يتلصص غير الجادين بحجة أنهم خُطّاب وفي ذلك حكمة أخرى وهو تعارف العائلات والتشارك والتآلف بينهم بالطبع.
إظهار سماحة الإسلام وعدم تعنته
لا ريب أن الرؤية الشرعية تضرب أعداء الإسلام المقنعين في مقتل والذين يظنون أنهم يطبقون الدين الصحيح بحجب المرأة تماما وجعلها عورة ولكن الإسلام يبيح الرؤية الشرعية من خلال أدلة وأحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجد غضاضة في تشريع التعامل والحديث بين رجل وامرأة غريبين عن بعضهما طالما يتم هذا في حدود من الاحترام والتواد ومن خلال هذا أيضًا يمكن الاستدلال على أن وجه المرأة ليس بعورة طالما أبيح كشفه لأجنبي لأنه من شروط الرؤية الشرعية إظهار الوجه والكفين وقد فصّل الفقهاء القول في الوجه والكفين تحديدا على أن الوجه كدليل لسلامة المظهر والكفين كدليل على سلامة باقي الجسد.
التأكيد على أهمية المظهر في الإسلام
قد يبالغ البعض ويقولون أن المظهر ليس مهما في الإسلام وغير ذلك ولكن الدين فعلا يحض على نقاء الجوهر وعدم الاهتمام بتجميل المظهر على حساب الجوهر وبالتالي لو كان المظهر غير مهما لأمر الله الخُطاب بالزواج من مخطوباتهم دون إجراء الرؤية الشرعية وخطبة المرأة لسمعتها ولعائلتها وهذا الكلام ولكن إباحة الرؤية من أجل التأكيد على أن المظهر مهم للإنسان تماما مثلما للجوهر.
استشفاف الود والسكن تجنبا لمشاكل بعد الزواج
لا يمكن أن نتحدث عن عن الود والسكن بعد الزواج أو نستهجن المشاكل الذي تحدث بعد الزواج بين الزوجين ونحن نرغم شخصين على الزواج من بعضهما دون حتى أن يريا بعضهما أو يتحدثا سويا قبل الزواج، لذلك الرؤية الشرعية تتيح استشفاف هل سيكون هناك سكن وود من خلال التقارب الفكري والائتلاف الوجداني بينهما أم لا.
التأكيد على رعاية الأسرة واعتنائها
الرؤية الشرعية أيضًا من ثمارها أنها تشرك دور الأسرة في اختيار الزوج الصالح لابنتها لا عن طريق إجبارها أو الضغط عليها ولكن من أجل ظهورها في الصورة والوقوف إلى جانبها ودعم قراراتها وإشعارها أنهم سيظلون وراءها مهما حدث ومهما كانت قراراتها.
خاتمة
للرؤية الشرعية فوائد كثيرة والإسلام شرّعها من أجل تجنب المشكلات بعد الزواج وحدوث القبول في نفوس المقبلين على الزواج والتقريب بينهم.