إذا ما سألت أي مُتابع لكرة القدم عن دوري قوي يُمكن مُتابعة كافة مُبارياته بنهم فإن الإجابة بلا تردد ستكون الدوري الإنجليزي ، والذي يُصنفه النقاد والجمهور على حدٍ سواء بأنه الدوري الأقوى في العالم، هذا على الرغم من أن منتخب إنجلترا في عالم الساحرة المُستديرة ليست بقوة المنتخب الألماني أو الإسباني أو البرازيلي مثلًا، لكن عند التحدث عن الدوري والفرق يأتي الدوري الإنجليزي ليفرض قوته ونفوذه على الجميع، وهنا يسأل غير المتابع لكرة القدم عن السبب الحقيقي خلف ذلك التميز، والذي بدأ بالمناسبة منذ تسعينات القرن المنصرم، عمومًا، كي نُريح ونستريح، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على الأسباب الحقيقية خلف كون الدوري الإنجليزي الدوري الأقوى عالميًا، ولتكن البداية مثلًا مع السبب الشائع، وهو وجود أبرز نجوم العالم في هذا الدوري.
وجود أبرز نجوم العالم في الدوري الإنجليزي
طبعًا كلنا نعرف أن أبرز المنتخبات العالمية المُتربعة على عرش كرة القدم هي منتخبات فرنسا وإسبانيا وألمانيا والبرازيل والأرجنتين، فهي تقريبًا المنتخبات التي تتناقل كأس العالم فيما بينها ومجرد ذكرها يُعطي مهابة وقوة كبيرة، لكن هل تعرفون يا سادة أين يتواجد لاعبون هذه المنتخبات العظمى؟ ببساطة إنهم متواجدين في الدوري الإنجليزي، فإذا لم يكن المنتخب الإنجليزي بحد ذاته قوي فإن وجود اللاعبين التابعين للمنتخبات القوية المذكورة أعطى ثقلًا للدوري وجعله بلا منافسة أكبر وأعظم دوري في العالم للعبة كرة القدم الساحرة المُتابعة من قِبل الملايين، أو اللعبة الشعبية الأولى كما تُعرف في الأوسط بين الناس، سواء كانوا متابعين لها بنهم أو غير مُتعلقين بها، وهذا أمر نادر طبعًا.
اللاعبين الكبار، أو أفضل لاعبي العالم، عندما يتواجدون في الدوري الإنجليزي فإن المشاهد، أو المتابع لمباريات ذلك الدوري، سوف يجد التعويض المناسب عن عدم وجود المنتخبات الكبرى باستمرار، فكل ما يعنيه أن يرى هؤلاء اللاعبين الرائعين وهم يلعبون، وهذا ما سيحصل بالضبط في حالة متابعته للدوري الإنجليزي، أرأيتم كيف يتم الأمر وكيف نجح القائمون على اللعبة بإنجلترا في جمع المشاهدين حولهم!
وجود أفضل بنية رياضية في العالم
المقصود بالبنية الرياضية تلك الملاعب والمحطات التلفزيونية الرياضية وكل شيء يتعلق بالرياضة بشكلٍ عام، فهذه هي البنية الرياضية التي نتحدث عنها ويبحث الناس عن تواجدها كي تُزيد من متعة مشاهدة المباريات، فالكرة يا سادة ليست مجرد عدد من اللاعبين على ساحة خضراء يركضون خلف كرة من الجلد، وإلا فانظروا إلى الكرة قديمًا وأسلوب المباريات، صحيح أنها كانت تحتوي على عدد من اللاعبين المُذهلين لكنها لم ترتقي إلى المستوى الذي هي عليه الآن بسبب البنية التحتية التي يعمل القائمون على اللعبة بكل جِد كي يتمكنوا من تطويرها، وهذه هي ميزة الدوري الإنجليزي.
في الدوري الإنجليزي تنتشر الملاعب في كل مكان في إنجلترا، حيث أن كل فريق يمتلك الملعب الخاص به، وهذا على خلاف دول متقدمة أخرى يمتلك أكثر من فريق بها ملعب واحد، كما أن كل فريق في إنجلترا يمتلك آلة إعلامية كاملة تعمل على التسويق له في كل مكان وفي كل وقت، ببساطة، هم في إنجلترا قادرون على جذب الانتباه لهم وتحقيق الانتشار المطلوب، وهذا سبب آخر يجعل من الدوري الإنجليزي أقوى دوري في العالم.
عراقة الأندية التي تلعب في هذا الدوري
من المعروف عن الدوري الإنجليزي أنه يمتلك أعرق الأندية على مستوى العالم وأقدمها من حيث التاريخ، فإنجلترا يا سادة هي التي وضعت كرة القدم من الأساس وجعلتها اللعبة الشعبية الأولى، بعد ذلك قام الناس باستقطابها ومارسوها مثل إنجلترا، لكن تبقى إنجلترا في النهاية هي المنبع الرئيسي للعبة، ولهذا فإنه من الطبيعي جدًا أن نجد أعرق الأندية تلعب في هذا الدوري، أندية ربما مضى عليها قرابة القرن ونصف من ممارسة كرة القدم، وهذا العمر ربما يفوق في القِدم بلاد كاملة، لكن إنجلترا امتلكت تلك الأندية العريقة وبدأت اللعبة حتى قبل أن يعرف الناس شيئًا عن الكرة بخلاف كونها جسم دائري.
الأندية العريقة التي تلعب في الدوري الإنجليزي كثيرة، وهناك يُرمز لها باسم الستة الكبار، وعلى رأسهم طبعًا نادي إيفرتون ونادي ليفربول ونادي تشيلسي ونادي مانشيستر يونايتد وغريمه مانشيستر سيتي، وأخيرًا نادي توتنهام، كل هذه الأندية تلعب في الدوري الإنجليزي وتجعله محط أنظار الجميع بلا استثناء، فلا أحد بالتأكيد يُريد تفويت ما تؤديه تلك الأندية من أداء عالٍ ولعب احترافي ربما لا يتواجد في أي مكان آخر في العالم، ومن هنا تأتي عظمة الدوري الإنجليزي الممتاز.
وجود كيان قوي مثل رابطة الأندية المحترفة
لكي نكون دقيقين فإن الدوري الإنجليزي الممتاز بالرغم من تمتعه بالقوة منذ ظهوره إلا أنه لم يكن يحظى بكل هذا الاهتمام الجارف، حتى جاء عام 1992 وتم تأسيس كيان قوي عملاق يُعرف باسم رابطة الأندية المُحترفة، ذلك الكيان الذي زلزل العالم بكرة القدم الاحترافية وأثبت أن كرة القدم ليست مجرد هوية مهمتها إمتاع الناس، وإنما يُمكن أن تكون أيضًا مصدر اقتصادي قوي، وهذا ما حدث بالضبط، حيث تمكنت الرابطة من جعل مكاسب الدوري الإنجليزي تتخطى سنويًا المليار جنيه إسترليني، وهي في ازدياد كل عام لدرجة أن البعض يقول بأن مكاسب لعبة كرة القدم في إنجلترا تفوق ميزانيات كاملة لدول تنتمي للعالم الأول والثاني، كما أن الضرائب التي تحصل عليها إنجلترا من الكرة تُمثل أكثر من عشرين بالمئة من الدخل السنوي لإنجلترا بأكملها، هي مثل السياحة تمامًا بالنسبة للدول العادية.
لم تشغل رابطة الأندية نفسها بجمع الأموال والمكاسب فقط، وأن كان هذا بالطبع هو الهدف الرئيسي، لكن كانت هناك بعض الأمور الأخرى المُتعلقة بالارتقاء باللعبة على الأقل من أجل ضمان تفوقها وبالتالي ضمان استمرار المكاسب الكبيرة التي تدرها، ولهذا قامت الرابطة بتطوير الملاعب وزيادة عدد الفرق وتوسيع نطاق الاحتراف وتركيز الآلة الإعلامية أكثر، إجمالًا، لقد فعلت كل ما بمقدورها من أجل ضمان استمرار تلك الدجاجة التي تبيض بيضة من الذهب.
الانتظام الشديد الذي يتمتع به الدوري الإنجليزي
تقريبًا في تسعين بالمئة من الدول التي تُنظم الدوريات سوف نجد أمرًا شبه طبيعي يتمثل في عدم انتظام المباريات داخل هذا الدوري، بمعنى أنه من الممكن جدًا الإعلان عن توقيت بدء البطولة وتوقيت النهاية ثم نجد أن الأمور في النهاية قد تغيرت تمامًا، لكن فيما يتعلق بالدوري الانجليزي فإن الأمور لا تسير على هذا المنوال أبدًا، حيث أنه، ومنذ اليوم الأول للبطولة وحتى اليوم الأخير، يكون من المعلوم للجميع متى ستُقام المباريات، ونحن نقصد بالتحديد هنا تاريخ اليوم والتوقيت بالدقيقة، وكأمر شبه نادر، نجد أن العام بأكمله قد صار على نفس التنظيم الذي تم وضعه منذ البداية، ومن هنا تأتي قوة الدوري الإنجليزي وقدرته على أن يظل رقم واحد على مستوى العالم.
الانتظام كذلك يطال كل شيء داخل منظومة الدوري الإنجليزي، فالجميع يعرف متى ستصل الفرق إلى الملاعب ومتى ستغادر، متى ستنزل إلى الملعب للإحماء ومتى ستكون جاهزة للانطلاق مع انطلاق صافرة الحكم، حتى البث يكون متاحًا في أوقات معينة يتم التنظيم لها مسبقًا بالتنسيق مع الأندية، لدرجة أن المباريات المنقولة كلها تبدو وكأنها واحدة من حيث النمط المُتبع، وهذا نجاح كبير بكل تأكيد.
لا وجود لمنافس ضعيف وسط فرق الدوري
يحتوي الدوري الإنجليزي على حوالي عشرين فريق، وفي أي مكان في العالم يعرف كرة القدم سيكون بإمكانك غالبًا تحديد الفرق المتنافسة على اللقب والفرق الهابطة حتى قبل انطلاق صافرة أول مباراة، لكن في الدوري الإنجليزي الأمور تختلف تمامًا، فهناك أنت لا تعرف حقًا من يُمكنه الفوز باللقب ومن سيكون مصيره في النهاية الهبوط والمعاناة في دوري القسم الثاني، فالعشرين فريقًا يمتلكون فرصًا متساوية لفعل الأمرين، إما الفوز أو الخسارة، وحتى بعد بداية البطولة وقبل انطلاق كل مباراة سيكون من الإعجازي حقًا أن تعرف من سيفوز في النهاية ومن سيخسر، تخيلوا يا سادة أن هذا يحدث في حين أن الدوريات الأخرى تنتهي المباريات فيها قبل أن تبدأ! وتسألون لماذا الدوري الإنجليزي الأفضل في العالم؟
في عام 2015 مثلًا بدأ الدوري كأي بداية عادية، ثم في نهاية العام تفاجأ العالم بمعجزة حقيقية، وهي أن فريق ليستر سيتي، أحد الفرق المغمورة في إنجلترا، قد تمكن من الظفر باللقب، لا تسألوا كيف لكن هذا الأمر حدث فعلًا وكان سببًا في تسديد صدمة غير مُحتملة للكثيرين، وفي العديد من السنوات كان الأمر يسير بهذه الطريقة المُدهشة حتى توارث عند الأجيال عشق الدوري الإنجليزي الغير مُتحمل، ولهذا كان من المنطقي تمامًا أن يكون الدوري الأقوى في العالم.
جماهير الكرة الإنجليزية هي الأفضل على الإطلاق
عناصر كرة القدم لا تتمثل فيمن يديرون كرة القدم ويلعبونها فقط، فهؤلاء بالطبع هم الحجر الرئيسي في هذا البناء، لكن هناك عنصر مهم يُعد من أشد مميزات الدوري الإنجليزي وسبب مباشر في كونه الأفضل في العالم، وذلك العنصر هو الجماهير، وفيما يتعلق بجماهير الدوري الإنجليزي فحدث ولا حرج، حيث أن هذا الدوري يمتاز بأمر غريب ربما لا يتواجد في الكثير من الدول الأخرى، وهو أن كل مواطن في إنجلترا لابد أن يكون له نادٍ يشجعه، فمن النادر جدًا أن تسأل شخص عن ناديه المفضل ثم يُخبرك بأنه لا يُتابع كرة القدم، هذا أمر شبه مستحيل، ونحن هنا نتحدث عن الرجال والنساء على حدٍ سواء، حتى الأطفال كذلك، والشيوخ أيضًا، كل من في هذه البلد يتنفس كرة القدم بشَره.
عندما تُنقل مباريات الدوري الإنجليزي على التلفاز فإن المُشجعين، وخاصةً العرب منهم، يتعجبون تعجبًا شديدًا من وجود جماهير تملأ الملعب، والتعجب هنا ليس في وجود الجماهير، وإنما اقتسامها بالتمام والكمال بين الفريقين، فالفريق الأفضل في إنجلترا خلال المباريات تكون جماهيره مماثلة في العدد لجماهير الفريق المنافس، حتى ولو كان ذلك الفريق يُنافس على الهبوط، فالنهاية الأمر يتعلق بعشقهم لكرة القدم وليس عشقهم للمكسب والخسارة.
ختامًا، علينا أن نقول بأن ما جناه الدوري الإنجليزي من حب وشهرة ومتابعة على أوسع نقاط لم يكن وليد الحظ أو فقط لكونه الدوري الأقدم في العالم، وإنما هناك العديد من العناصر الأخرى التي تضافرت لتخرج لنا هذه النتيجة في النهاية.