مما لا شك فيه أنك إذا استحضرت صورة أحد الحيوانات الصغيرة في ذهنك فسوف تحضر معك أمور بديهية أخرى مثل الضعف والاستهداف، سوف ترى قط يجري خلف فأر صغير لا حول له ولا قوة، لكن الحقيقة أنك مخطئ تمامًا في نظرتك هذه، صحيح أن تلك الحيوانات من السهل جدًا أن تُصبح لقمة سائغة لبقية الحيوانات الضخمة، لكن ما نتحدث عنه هنا هو الاحتمال الأغلب والأكثر عرضة للحدوث، وهو أن تلك الحيوانات الضعيفة الصغيرة سوف تنجو بكل سهولة من الخطر الذي ستتعرض له، وسوف تكون أكثر أمانًا في ظروفٍ كثيرة من الوارد جدًا أن تكون الحيوانات الكبيرة القوية خلالها شبه محفوفة بالمخاطر، وعلى الجانب الآخر سيكون من الآمن أن تحتفظ بها وتُشرف على تربيتها، ولكي نوضح الأمور أكثر دعونا في السطور القادمة نُجيب على هذا السؤال المطروح في بداية حديثنا، لماذا تعد الحيوانات الصغيرة أكثر أمانًا من الكبيرة؟ ولتكن البداية مع السبب الأول، وهو الحجم الصغير الذي تتمتع بها.
الحجم الصغير الذي تتمتع به الحيوانات الصغيرة
السبب الأول، أو النقطة الأولى في الإجابة على السؤال المطروح أمامكم، تكمن أصلًا في جزئية من السؤال نفسها، فما يجعل الحيوانات الصغيرة أكثر أمانًا حجمها الصغيرة الذي تحظى به بصورة ربانية، فكما خلق الله الأفيال خلق كذلك الفئران والحشرات الصغيرة، وخلق لكل نوع مخاطر خاصة تُهدد استمراره، وإذا اعتقدنا أن المخاطر التي تُهدد الفيل أقل بكثير من تلك التي تُهدد الفئران بسبب قوة الفيل فنحن مُخطئون تمامًا، وأكبر دليل على ذلك أن المعرض للانقراض دائمًا منهما الفيل وليس الفئران، وهذا كله بسبب الحجم الصغير الذي نتحدث عنه.
الحجم الصغير يا سادة يعني أن الحيوان الصغير وقت الخطر سوف يكون قادرًا على الاختباء والتواري على الأنظار، وهنا نحن نتحدث عن أنظار الخطر المتمثلة في الظروف الطبيعية كالزلازل والعواصف والأمطار الجليدية، وخاصةً ذلك الأمر الأخير الذي كان يتكرر قديمًا باستمرار وكانت الحيوانات الصغيرة تتمكن من إيجاد مخبأ مناسب لها بسبب حجمها الصغير، أما الحيوانات الكبيرة هائلة الحجم فكانت تقبع فريسة لهذه المخاطر، وكان العائق هو الميزة الوحيدة لديها في نفس الوقت، ذلك الحجم الكبير الذي تتمتع بها، ولهذا السبب نقول أن الحيوانات الصغيرة تُعد أكثر أمنًا من الكبيرة.
خفة حركتها التي تُساعدها في تأمين نفسها
بعيدًا عن الحجم دعونا نتناول أحد أهم مميزات ذلك الحجم المثالي، وهو أنه يمنح الحيوان الذي يتمتع به خفة حركة رائعة، وخفة الحركة هذه ميزة بحد ذاتها، فإذا مكثنا كما نحن مع المثال الأول سنجد أن الفيل صاحب الحجم الكبير لا يُمكنه الركض بنفس السرعة التي يركض بها أي حيوان آخر أصغر منه حجمًا، وهذا يعني أنه سيكون معرضًا أكثر للمخاطر التي عادةً ما يكون معرضًا لها كلا النوعين من الحيوانات، لكن الفارق أن الفيل سيفشل في الهرب وسيسقط فريسة سهلة لمُطاردة، أما الحيوان الخفيف الصغير، كالغزال مثلًا، فسوف تمنحه خفته قدرة وأفضلية أكبر عند الهرب، أو بمعنى أكثر دقة، سوف يكون أكثر أمنًا كما نُشير منذ البداية.
فكرة الخفة والسرعة وعلاقتها بالحجم أمر شبه مفروغ منه، فطبعًا الحيوان الضخم سرعته أقل بكثير من الحيوان الصغير، وهذا ما يجعلنا نؤمن حقًا بأن الله لم يخلق أي مخلوق على هذه الأرض إلا وميّزه بما يستحق ويتناسب معه من مميزات، فالفيل يعيش بأمان في الظروف الطبيعية وجميع الحيوانات تُقيم له ألف حساب بينما يعيش الفأر في حالة خوف دائم من الهجوم عليه في أي وقت، لكن عند الخطر الحقيقي فإن الفيل هو من سيهلك سريعًا، واسألوا في ذلك التاريخ الذي يؤكد بأن الحيوانات الضخمة هي التي تنقرض أولًا.
ندرة تعرضها للمخاطر لأسباب طبيعية
من النادر بعض الشيء أن تتعرض الحيوانات الصغيرة للأذى سواء من الطبيعة أو الحيوانات الكُبرى المتوحشة التي تعيش معها في الغابة أو أي مكانٍ آخر، والسر في ذلك ببساطة أن الحيوانات الصغيرة لا يُرجى منها فائدة كُبرى في حالة مُهاجمتها وأخذها كفريسة، فالأسد مثلًا حيوان يُحب اللحوم، لذلك فإنه عندما يُفكر في اصطياد فريسة يُراعي في المقام الأول أن تكون هذه الفريسة مليئة بهذه اللحوم التي يُحبها، أما في حالة الحيوانات الصغيرة فلا تكون اللحوم متوافرة بالشكل المُغري الذي يجعل الأسد يحاول مهاجمتها، ولذلك نحن لا نبالغ عندما نقول أن الحيوانات الصغيرات تحظى بدرجة أمان أكثر، وكل ما عليك أن تنظر إلى الصورة من زاوية مُختلفة كي ترى الحقيقة.
أيضًا فيما يتعلق بندرة التعرض للمخاطر نجد أنه ثمة جانب آخر لهذا السبب، وهو المخاطر الطبيعية، فعندما تأتي العاصفة مثلًا، أو يكون هناك بركان كبير أو فيضان مُفجع فإن الخوف كل الخوف في هذه اللحظة من الحيوانات الكبيرة التي يعوقها ذلك الكِبر من الفرار والنجاة بنفسها من هذه الكارثة، أما الحيوانات الصغيرة فإنها تهرب سريعًا وتختبئ في أي مكان، وأخيرًا تبقى آمنة حتى زوال الخطر، وهنا تكمن الأفضلية التي نتحدث عنها.
عدم توقع الأذى منها غالبًا
ربما في الأسباب السابقة كانت نُركز أكثر على الأسباب التي تجعل الحيوانات الصغيرة آمنة بالنسبة لنفسها، أو بمعنى أدق، قادرة على المحافظة على نفسها ضد الأذى، لكن الآن تتغير الأمور، حيث أننا نتحدث عن أمن هذه الحيوانات بالنسبة للبشر الذين يعيشون معها، فطبعًا لا يُمكن لأي شخص أن يأخذ أسدًا على سبيل المثال ثم يضعه في بيته ويقول أنه سوف يبدأ في تربيته، هذا أمر غير مقبول بكل تأكيد لأن العقل يكون أن هذا الحيوان الضخم سوف يقوم بأذيته، لكن إذا قمنا بقياس نفس الوضع على حيوان صغير كالقط مثلًا فسيكون الأمر مقبولًا وعاديًا بكل تأكيد.
الحيوانات الصغيرة بشكل شبه عام لا تتسبب في أذية البشر أو تُهدد حيواتهم مثلما تفعل الحيوانات الأخرى، اللهم إلا أنواع نادرة من هذه الحيوانات مثل السامة، فهذه بالرغم من كونها صغيرة إلا أنها خطيرة للغاية، ولهذا نقول إن الحيوانات الصغيرة بصورة شبه عامة تجعلك آمنًا، فهي لن تتسبب في أذى أو ضرر لك، بل وأقصى ما ستفعله لك أنها ستتسبب في تلويث المكان الذي تجلس به، أما الحيوانات الضخمة الكبيرة فيُمكنك أن تتوقع منها الاستيقاظ في يوم من الأيام لتجدها وقد أكلت طفلًا من أطفالك، وهذه ليست مبالغة بالمناسبة.
تتأقلم سريعًا مع الحيوات المختلفة
هل تعيش الحيوانات حيوات متعددة؟ بالتأكيد، بل إن كافة الكائنات تحظى بأكثر من حياة، ونحن هنا لا نتحدث بالطبع عن الحياة بالمعنى الحرفي لها الذي يعرفه الجميع، وإنما تلك الحياة التي يُقصد بها التنقل الدائم وعيش ظروف وتفاصيل مُختلفة، فعادةً ما يقوم الحيوان بالتأقلم على بيئة مُعينة ثم يأتي ظرف خارج عن إرادته يجعله يُغير تلك الحياة، وإذا طبقنا هذا الأمر على الحيوانات الصغيرة والكبيرة فإن تلك الكبيرة سوف تكون أكثر تعرضًا للخطر، بينما الحيوانات الصغيرة سوف تتأقلم سريعًا، ببساطة شديدة، سوف تكون أكثر أمنًا لنفسها وغيرها كذلك، وتغير الحياة هنا يحدث من خلال تغير الأماكن والظروف والأشخاص، واسألوا الفيلة ماري عن هذا الأمر.
في القرن الماضي كانت هناك فيلة ضخمة تُستخدم في أغراض الترفيه وتعمل على سبيل التحديد في سِرك، داخل ذلك السرك كان لها مدربها الخاص الذي يُشرف عليها طوال الوقت، وفي يوم من الأيام تغيب المدرب وجاء آخر لم تستطع ماري التعرف عليه، فقط لأنها حيوان ضخم لم تستطع التأقلم مع الوضع الجديد، وخمنوا ماذا فعلت ماري؟ لقد قامت ببساطة بقتل الرجل خلال العرض بحجة أنها قد خافت منه، والواقع أننا إذا طبقنا نفس الوضع تقريبًا على فأر أو قطة صغيرة فبالتأكيد لن ينتهي الأمر بهذه المأساة، ولهذا نعود ونكرر بأن الحيوانات الصغيرة أكثر أمنًا بكثير من الكبيرة.
عدم إثارة ذعر الأطفال الصغار
عندما تُحضر أسدًا وتضعه في بيتك بحجة أنك ستقوم بتربيته فهذا يعني أنك شخص مجنون أو غير قلق حياة أطفالك، فالأسد، وكل الحيوانات الكبيرة الضخمة بشكل عام، تُمثل في المقام الأول تهديدًا على حياة الأطفال، وكذلك الكبار الذين لا يتمكنون من حماية أنفسهم، لكن لنفترض مثلًا أن الحيوان الذي تقوم بتربيته في منزلك حيوان ضخم لكنه أليف، بمعنى أنه لن يتهجم على أطفالك في يوم من الأيام، في هذه الحالة، هل يكون الخطر قد زال؟ بالطبع لا، فخطورة الحيوانات الكبيرة تنبع من حجمها وشكلها في المقام الأول، لأن مجرد نظرة الأسد مثلًا للطفل سوف تجعل الطفل يشعر بالخوف الشديد، في حين أن الحيوان الصغير، ولو كان أفعى سامة، فإنه لن يُثير ذُعر الطفل أو خوفه.
نسبة تزيد عن تسعين بالمئة من الأشخاص الذين يرغبون في تربية الحيوانات يختارون الحيوانات الصغيرة القادرة على التطويع، ومثال ذلك القطط والفئران، فهما تقريبًا النوعين الأكثر انتشارًا في العالم، أما نسبة العشرة بالمئة فهي تربي حيوانات كبيرة وضخمة لكن غير مؤذية بالمرة مثل الأحصنة مثلًا، وغالبًا ما يتم هذا الفرز مراعاةً لذعر الأطفال وأملًا في عدم إثارتهم، واعترافًا كذلك بأن الحيوانات الصغيرة أكثر أمنًا من بكثير من الحيوانات الكُبرى.
أدلة كون الحيوانات الصغيرة آمنة دائمًا
ذكرنا الآن بعض الأسباب التي تُبرهن على أن الحيوانات الصغيرة تُعد الأكثر أمنًا وآمنًا في نفس التوقيت، فهي لا يُخشى عليها وفي نفس الوقت لا يُخشى منها، وتلك الأدلة يأتي على رأسها بالتأكيد عدم تعرض هذه الحيوانات لخطر الانقراض الذي غالبًا ما يضرب الحيوانات الكبيرة بشكلٍ مُتكرر، فإذا استعدنا ذاكرتنا وبحثنا في تاريخ انقراض الحيوانات سنجد أن أكثر من خمسين بالمئة من الحيوانات المنقرضة هي في الأصل حيوانات ضخمة كبيرة على الرغم من أن العقل يكون بأن الحيوان الضخم يستطيع الصمود والبقاء والحفاظ على حياته، وهذا ما لم يحدث للأسباب التي ذكرناها سابقًا.
أيضًا من ضمن الأدلة على صحة ما ذكرناه من كون الحيوانات الصغيرة أكثر أمنًا بالنسبة للبشر أنه يُمكن إطلاقها في الشارع بسهولة ومن المنطقي جدًا اختلاطها بالناس، لكن الحيوانات الكبيرة لا يُمكن رؤيتها إلا في الغابات، بل إن بعض البشر يعيشون ويموتون دون أن يروا أحد الحيوانات الكبيرة في حياتهم، والسؤال الآن، هل تحتاجون لأدلة أكثر من هذه على ما نحاول إثباته منذ بداية المقال؟