تحريم الخمر شأنه شأن كل ما حرمه المولى عز وجل، لم يُحرم إلا حماية للإنسان وحفاظاً عليه مما قد يصيبه بالأضرار، وقد تم تحريم الخمر بشكل تدريجي إشفاقاً على الناس ورحمة من الله بالخلق، خاصة وأن تناول الخمر كان من الأمور الشائعة في حياة الجاهلية، وفي البداية كان الاعتقاد بأنه تم تحريمه لأنه يذهب العقل، فيدهس وقار شاربه ويجعل سلوك غير منضبط أشبه بالحيوانات، لكن الأبحاث التي تناولت مخاطر الخمر وتأثيراته، أثبتت أن الحكمة من تحريمه أعمق من ذلك وأكثر شمولاً، وإنها تقي الإنسان من أمراض عديدة خطيرة تهدد كل جزء بجسمه.
الحكمة من تحريم الخمر :
أثبتت الدراسات العلمية ما يمثله تناول الخمر من تهديد للصحة العامة، وكشفت أن تحريم الخمر جاء لحماية الإنسان من إصابات صحية بالغة الخطورة
تحريم الخمر والجهاز التنفسي :
إن الخمر لا يترك جزءاً من جسم الإنسان إلا ويدمره، وكان في تحريم الخمر من قبل الرءوف الرحيم وقاية للجهاز التنفسي، الذي يعد الجهاز الجالب للحياة بالنسبة للإنسان، فهو المسئول الرئيسي والوحيد عن إمداد أعضاء الجسم بالاكسجين، وأي ضرر يلحقه يعرض الصحة العامة للإنسان لمخاطر عِدة، وأثبتت الأبحاث العلمية أن للخمور أضرار بالغة على جهاز التنفس منها:
صعوبة التنفس : رغم أن صعوبة وضيق التنفس ليست بالأمر الهين، إلا أنها تعد أقل الأضرار المترتبة على إدمان الخمر مقارنة بغيرها، فالكحول يرسب بلغم Sputum داخل الرئتين، مما يسبب السعال المستمر المصحوب غالباً بلفظ الدم، مما يجعل صدر شارب الخمر يضيق وتقل قدرته على التنفس بنسبة كبيرة، تفوق في شدتها أحياناً ضيق النفس الناجم عن التدخين.
- السل الرئوي : يُعرف باسم السل الرئوي أو درن الرئة، وهو من الأمراض المزمنة المُعدية التي تصيب الرئة، ويُصنف السل الرئوي كأحد الأمراض المميتة، ونسبة كبيرة ممن يصابون به توافيهم المنية متأثرين بإصابتهم به، ووفقاً للأبحاث التي جرت بكبرى الجامعات الأمريكية فإن إدمان المشروبات الكحلية أحد مسببات السل، حيث يوفر تناول الكحول البيئة المناسبة لتنامي البكتيريا المصيبة بالسل.
- التهابات الحنجرة : من الملاحظ أن شارب الخمر بعد فترة تتغير نبرة صوته، وتلازمه بحة غريبة ويصير خشناً أجش، بجانب أن السعال لا يعد يُفارقه، فهل سألت قبلاً عن السبب في ذلك؟.. السبب هو إن أعضاء الجسم الداخلية شديدة الحساسية، وأن من يتناول الخمر فإنما يتناول مواد كاوية حارقة، يتضح ذلك من مذاقها الحاد اللاذع، وجريان الكحول على الحنجرة يصيبها بالتهابات ينتج عنها تورماً بالحبال الصوتية، ومن الممكن أن تصعب عليه عملية النطق مع التمادي في ذلك السلوك، كما أن مقاومة هذه المنطقة من الجسم تجاه الممرضات تضعف كثيراً، فتصبح فريسة صائغة بالنسبة للجراثيم والميكروبات.
- إضعاف عضلات الرئة : التمادي في تناول الخمر يقضي على عضلات الرئة بشكل غير مباشر، و تحريم الخمر جاء محافظاً على هذه العضلات التي تستمد قوتها من عنصر الفوسفات، والذي يعمل الكحول على خفض مستواه بالجسم لأدنى الدرجات، وقد سُجلت حالات عديدة لهبوط التنفس الناتج عن نفص الفوسفات.
تحريم الخمر والكبد :
الكحول الذي يدخل في تركيب الخمور لا يمتص من قبل الأمعاء، إنما النسبة الكبيرة منه تتجه مباشرة مع الدماء إلى الكبد، مما يجعله أكثر عضو تعرضاً للمخاطر، والناجي الأول بفضل الحكمة من تحريم الخمر ،حتى أن أحد أمراض الكبد يسمى التهاب الكبد الكحولي، نسبة إلى مسببه الوحيد وهو المادة الكحلية المصنوع الخمر منها.
- الالتهابات : الخطر الأقل الذي يواجه الكبد من جراء اجتراع الخمر هو الإصابة بالالتهاب، وهذا لأن خلاياه لا تحتمل هذه المادة الحارقة، وقد يمتد أثر هذا الكحول إلى البنكرياس ويصيبه هو الآخر بالالتهاب.
- تشمع الكبد : ينتج تشمع الكبد أو تليفه عن مسببين رئيسيين إحدهما الخمر، حيث تؤدي هذه السموم إلى إحداث أضرار بالغة بالكبد، الذي يحاول استعاضة التالف من الخلايا بإنتاج أخرى متشمعة، لكن هذه الخلايا الجديد تضر بالكبد ولا تفيده، كما أن علاج تشمع الكبد لا يمكن إلا إذا اكتشفت الإصابة في وقت مبكر، وهو ما يحد من فرص علاجه بنسبة كبيرة.
- سرطان الكبد : الأبحاث العلمية التي تناولت مرض السرطان، أثبتت أن تناول المشروبات الكحولية هو المسبب الأول لسرطان الكبد، كما يزيد من احتمال الإصابة بأنواع أخرى منه مثل سرطانات الفم والثدي والبروستاتا.
تحريم الخمر والصحة العقلية :
العقل هي أكبر نعم المولى التي ميز بها الإنسان على سائر خلقه، وقد جاء تحريم الخمر حامياً لهذه النعمة ومحافظاً عليها، فقد أكدت الأبحاث التي تناولت أضرار المواد الكحولية على الخمر، إنها عند تناولها لا تهضم ولا تمتص بالمعدة، وتبقى سائلة لفترة كبيرة فتنتقل نسبة مركزة منها إلى المخ عن طريق الدم، وهذا الدم المُسمم بالكحول يعيث بالعقل فساداً، ويلحق به أضراراً جسيمة منها على سبيل المثال فقط:
- السكتة الدماغية : حين تتقلص نسبة الدماء المتدفقة إلى المخ والتي تمده بالأكسجين والمغذيات، تبدأ الخلايا الدماغية في الضعف تدريجياً ثم تموت خلال دقائق، وهنا تحدث الإصابة بما يعرف باسم السكتة الدماغية، وهي من الإصابات التي تؤدي إلى موت فوري في كثير من الأحيان، وإن استطاع الإنسان العيش بعدها فغالباً ما يصاب بضرر بالغ، حيث أن الخلايا الدماغية التي تتلف بسبب نقل الغذاء لا تجدد، ومن ثم فإن الناجي من الموت بالسكتة الدماغية قد يفقد النطق أو يصاب بالشلل، وكل هذا جاء تحريم الخمر ليحمي الإنسان منه، حيث أثبت أن مدمني الخمر تزداد احتمالات تعرضهم للسكتة الدماغية بنسبة كبيرة.
- ضعف الذاكرة : جرت دراسة في جامعة لندن حول الأمراض المصاحبة لفترات الشيخوخة، وقام الباحثون بعمل دراسة مقارنة بين مجموعة رجال بمنتصف العمر، ووجدوا أن من يتناولون الخمر منهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بضعف الذاكرة، ومع زيادة في احتمال فقدانها بشكل كامل مع تقدمهم أكثر في العمر، والعكس صحيح بالنسبة للمتنعين عن شرب الخمر، مما يبين معه بوضوح الحكمة الإلهية من تحريم الخمر
- تراجع القدرات العقلية : الحالة العقلية التي يصل إليها الشخص المخمور هي خير دليل على تأثير الخمر على العقل، فهو يفقد قدرته على الاتزان ويتضح ذلك من ترنحه وتخبط خطواته، كما يصاب بحالة من تلعثم النطق ويكون غير قادر على التحدث أو الاستماع بشكل جيد، علاوة على أنه حتى لا يكون قادر على إجراء أبسط العمليات الحسابية، ومع التمادي في تناول المشروبات الكحولية يتحول هذا التأثير من تأثير وقتي إلى تأثير دائم، وتتراجع مستويات الانتباه والإدراك والتركيز لدى مدمن الخمور.
تحريم الخمر والقلب :
القلب هو مايسترو الجسم البشري المسئول عن إمداد كافة الأعضاء بالعناصر الغذائية والأكسجين، وبالتالي فلابد من أن يناله فائدة من تحريم الخمر ،ووفقاً لما أثبتته الأبحاث فإن القلب يتأثر بالكحوليات سلبياً بدرجة كبيرة.
- الجلطات : تناول الخمر يؤدي إلى إحداث تغيرات في تركيبات الدم، ويزيد من عملية التخثر (التجلط) بسبب ارتفاع معدل الصفائح الدموية، وبالتالي تزيد من احتمالات الإصابة بجلطات القلب وانسداد الشرايين، مما يعني أن تحريم الخمر يعفي القلب من أخطر ما يمكن أن يصيبه.
- الاضطراب : تناول الخمر يؤدي إلى اضطراب سرعة نبضات القلب، وهذا يؤثر بشكل مباشر على صحة عضلة القلب، وبشكل غير مباشر على كافة أعضاء الجسم كونه يمنع وصول الدم إليهم بالنسبة المطلوبة.