كان السبب الرئيسي في بدء الحرب الأهلية الأمريكية هو الرق أو العبودية الذي جعل أهل الجنوب يقومون بالانفصال عن الولايات المتحدة وبالتالي تحدث الحرب الأكثر دموية في تاريخ أمريكا، وقد كانت جذور هذه الحرب تمتد لأكثر من ثمانين عام حينما ذاعت تجارة العبيد في الأراضي الأمريكية، واعتمدت هذه الحرب بشكل كبير على المنتجات الصناعية الجديدة مثل الأسلحة الثقيلة، والسكك الحديدية، والبواخر، والتلغراف، وهذه تعتبر الحرب الأولى التي استفادت من التطور الصناعي الكبير في الدول الأوروبية، وبدأت شرارة هذه الحرب في الثاني عشر من أبريل عام 1861 واستمرت حتى التاسع من يونيو عام 1965، وكانت معركة فورت سمتر التي شنها الجنوبيين على الشماليين هي أول معارك الحرب وقد انتصر فيها أهل الجنوب تحت مسمى الولايات الكونفدرالية الأمريكية، ونظرًا لأن الولايات الكونفدرالية هي المنتج الأول للقطن في أوروبا فقد تصور إليهم أن بريطانيا وفرنسا سوف يقومون بمساعدتهم في حربهم ضد أهل الشمال، ولكن هذا لم يحدث وتمكن الشماليين من إلحاق الكثير من الهزائم بهم حتى استسلموا وانتهت الحرب.
محاولة وقف تجارة الرق أو العبودية
يعتبر الرق هو السبب الرئيسي الذي أدى لنشوب الحرب الأهلية الأمريكية بين أهل الجنوب والشمال، حيث أن أهل الجنوب كانوا يعتمدون اعتمادًا كليًا على تجارة الرق ويستخدمونهم في شتى المهن والزراعات، حتى أن زراعة القمح التي كان أهل الجنوب هم الأكبر منتج لها في قارة أوروبا كانت تقوم على أكتاف العبيد ذو البشرة السوداء، بينما كانت الولايات الشمالية تسعى لتحرير العبيد نهائيًا ومنع هذه التجارة التي تعتبر أمر رجعي ومتخلف لم يعد له وجود في القرن التاسع عشر، وهذا التحرير يعني هلاك الاقتصاد الجنوبي بسبب اعتماد الجنوبيين على العبيد في جميع المهن اعتمادًا كليًا، وقد صنفته تلك الفئة التي تتاجر في العبيد بمسمى الانتهاك الحقوقي الدستوري وهو في الحقيقة خوفًا من العبيد الذي سيحررون لما يكمن في قلوبهم من غل وكره تجاه هؤلاء الأسياد الذي عاملوهم بكل قسوة وبدون أي إنسانية.
ومن المعروف أن أهل الشمال قد تم حظر الرق لديهم منذ السادس عشر وبالتالي قلت تجارته واستخدامه بنسبة كبيرة حتى انتهى تمامًا في أوائل القرن التاسع عشر، وقبيل بدء الحرب الأهلية الأمريكية مباشرة كانت توجد انتخابات رئاسية في البلاد ومن ضمن المرشحين رجل يدعى أبراهام لنكولين، وهو من أشهر المعارضين لسياسة الرق وقد قال في برنامجه الانتخابي أنه سوف يقتص هذه الظاهرة المتخلفة من جذور الشعب الأمريكي بأكمله، وهذا ما جعل الجنوبيين يبدئون في حربهم الشعواء.
الحرب الأهلية الأمريكية وتولي أبراهام لنكولين الحكم في أمريكا
قبيل بدء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية قام الحزب الجمهوري الموالي للزعيم أبراهام لنكولين بحملة موسعة ضد العبودية في البلاد وهذا ما اعتبره أهل الجنوب انتهاكًا واضحًا لحقوقهم الدستورية، وبعد انتهاء الانتخابات الرئاسية وفوز المرشح أبراهام قام ست ولايات من أصل سبعة جنوبيين بالانفصال عن الولايات المتحدة وتشكيل دولة جديدة تحت مسمى الولايات الكونفدرالية الأمريكية، وذلك لأن هذه الدول كانت تعتمد على العبيد بشكل رئيسي في أغلب المهن والزراعات في أراضيها وخاصة زراعة القمح وتصديره للدول الأوروبية، حيث أن خمسين بالمائة من سكان هذه الولايات هم من العبيد المسخرون للخدمة فقط ولا يملكون أي شيء أخر في البلاد الأمريكية، ودعت هذه الولايات الأكثر استحواذًا للعبودية الولايات الأخرى إلى الانضمام في الحلف الخاص بهم وكانوا تسعة ولايات أخرى.
فانضمت واحدة وبقي ثمانية لم يرضوا بالانفصال خوفًا من انهيار الدولة الأمريكية الكبيرة فلم يمضي على انفصالهم عن بريطانيا سوى عدة عقود بسيطة، وهنا خرج الرئيس أبراهام لنكولين يخطب في الناس أنه لا يريد شن أي حرب أهلية على سكان الجنوب، وأنه لابد من العيش في سلام وتحت راية واحدة داخل الأراضي الأمريكية كلها، ولكن أهل الجنوب لم يستجيبوا لهذه الخطب وبدئوا في شن معركتهم الأولى على سمتر الواقعة في ولاية كارولاينا الجنوبية، وهي تعتبر الشرارة الأولى في الحرب الأهلية الأمريكية.
الانعزال العام والحماية الجمركية
من الأسباب الهامة التي أدت لنشوب الحرب الأهلية الأمريكية هي العزلة بصفة عامة والحماية الجمركية التي كانت تجري بين أهل الشمال والجنوب، حيث أن أهل الشمال وأهل الجنوب كانوا في عزلة تامة من حيث القيم والمبادئ الاجتماعية والاقتصاد والجمارك وكل شيء يعتبر، وقد ازدادت هذه العزلة بشكل كبير مع بداية التطور الصناعي الكبير في المجتمع الأوروبي أي في بداية القرن التاسع عشر تقريبًا، وذلك لأن الشماليين قاموا بالاعتماد على الآلات الصناعية الجديدة في شتى مجالات الحياة، في حين أن الجنوبيين ما زالوا يعيشون في بيئة متواضعة تعتمد على الإنسان بشكل رئيسي وتكثر من عملية زراعة القمح في البلاد الأمريكية، وقد ظهر هذا جليًا حينما كانت الولايات الجنوبية هي الأولى في القارة الأوروبية تصديرًا للقمح خارج البلاد، وقد سهل لهم هذا من خلال العبيد الذين كانوا يحصلون على مقابل مادي بسيط للغاية ويأكلون من مزارع الكفاف الخاصة بهم.
وقد قامت الحكومة الأمريكية التي كان أهل الشمال هم النسبة الغالبة فيها بفرض قانون الحماية الجمركية على جميع الأراضي التابعة لأمريكا، وذلك لأن القطن الجنوبي كان يصدر خارجيًا بأسعار قليلة بعض الشيء بالمقارنة مع الأسعار العالمية له ويرجع الفضل في ذلك إلى العبيد الذين كانوا يتقاضون مبلغ ضئيل للغاية، وهذه التعريفة الجمركية بغرض مساواة الأسعار بين القطن الجنوبي المعتمد على الآلات الحديثة والقطن الشمالي المعتمد على العبيد، وذلك ما رفضه الجنوبيين وكان سبب في نشوب الحرب الأهلية الأمريكية.
صراعات الأزمة الإقليمية
منذ بداية القرن التاسع عشر أخذت الولايات المتحدة الأمريكية تتوسع على حساب الولايات والدويلات المجاورة، وكان هذا التوسع يتم إما عن طريق الغزو أو طريق الشراء والتفاوض على حسب ما تتطلب الأمور، فزادت رقعة الدولة كثيرًا حتى وصلت إلى تسعة ملايين كيلو متر مربع وتم تقاسم المساحات التي تشترى أو تغزو بين الولايات الجنوبية والشمالية بالتساوي، وبعد غزو الجهة الشمالية من دولة المكسيك وهي المقابلة مباشرة لولاية كالفورنيا طمعت الولايات الجنوبية في توسعة تجارتها من الرقيق في هذه الأراضي الواسعة، في حين أن الشماليين منذ القرن السادس عشر كانوا يحظرون هذه التجارة الرجعية وبالتالي سيتم منع الجنوبيين من فعل أي شيء من هذا القبيل، وهنا قام الشماليون بنشر أهدافهم للعيان وأن حكومتهم ترى أن لكل ولاية الحق في الانفصال عن باقي الولايات المتحدة بدون أي منع من قبل الحكومة الرئيسية.
ويرجع استنادهم في تلك الخطوة إلى أن الدستور الأمريكي ما هو إلا ميثاق يجمع جميع الولايات في اتحاد واحد ومن أراد الانفصال فله الحرية في ذلك، وهذا ما رفضه أهل الشمال نهائيًا ودعوا للتوحد في كتلة واحدة خصوصًا وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم يمضي على انفصالها عن بريطانيا سوى عدة أعوام، فالانفصال التالي سوف يشتت البلاد ويجعلها عرضة للغزو من كل جانب وخاصة البريطانيين الذي كانوا يطمعون في ضم أمريكا مرة أخرى، ولذا كان الصراع الإقليمي هو أحد أسباب قيام الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861.
ظهور أربعة مذاهب في آن واحد
من الأسباب الهامة التي أدت لنشوب الحرب الأهلية الأمريكية هو ظهور أربعة مذاهب أو أحزاب في وقت واحد وذلك عام 1860 أي مع بداية الانتخابات الرئاسية، المذهب الأول كان بقيادة أبراهام لنكولين الذي تولى الرئاسة فيما بعد، وكان هذا المذهب مدعومًا من قبل الكونغرس الأمريكي وهو أعلى سلطة دستورية في البلاد، وهذا المذهب يقضي بوجوب إلغاء العبودية في جميع الأراضي الأمريكية، ثم المذهب الثاني تحت زعامة الاتحاد الدستوري الأمريكي ويهدف إلى عدم الانفصال وتبقى الولايات الأمريكية كلها في كتلة واحدة، ثم المذهب الثالث تحت زعامة السيناتور ستيفن دوغلاس الذي يعطي الحق للمستوطنين في كل شبر بالأراضي الأمريكية كما يأخذه المواطنين الأمريكيين، ثم المذهب الرابع الذي كان يقوده السيناتور جيفرسون ديفيس وهو يهدف لإعطاء الحق لجميع الولايات بالمتاجرة في الرق بدون أي مسألة قانونية سواء أهل الجنوب أو أهل الشمال.
وهذا ما يعني إلغاء القانون الذي سن في القرن السادس عشر بهدف حظر تجارة الرقيق في البلاد، وأغلب أهداف هذه المنظمات الأربعة هي مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وتتشابه نياتهم كثيرًا ولكنهم لم يكونوا موحدون، أو يعملون وفق أليات واحدة لخدمة الوطن وصد همجية تجار الرقيق، وهذه الخلافات كانت سببًا واضحًا في نشوب الحرب الأهلية الأمريكية.
الحرب الأهلية الأمريكية نتيجة منع الجنوبيين تطبيق العدل والمساواة
حاول الجنوبيين منع الحكومة الشمالية من تطبيق العدل والمساواة على جميع ولايات الولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما جعل الحرب تزداد اشتعالًا وترد الحكومة بكل حزم على تلك الهجمات المسلحة، ومن مظاهر عدم تطبيق المساواة والعدل هي التفرقة التي كان يعمل بها مع البيض والسود، فقد قال رئيس العدل الأمريكي المسمى روجر بي تاني أن العبيد السود ليس لهم أي حقوق وهم ينتمون للطبقة الدنيا وواجب عليهم الخضوع والإذعان للرجل الأبيض، وهذا الخطاب قد نقض تسوية ميزوري التي ألغت العبودية في الولايات الشمالية من الدولة، وقد كان هذا القرار خطير جدًا على الرجال السود في أمريكا لأن أغلبهم كان مرتكز في الولايات الجنوبية العنصرية، وذلك لقرب هذه الولايات من المستعمرات الجديدة التابعة للدولة، فبالتالي سوف يلقى هؤلاء الناس معاملة سيئة للغاية تكاد تصل للسخرة من دون مقابل.
وهذا ما قد جعل أبراهام لنكولين يخطب في الناس بضرورة المساواة بين جميع أطياف وطبقات الشعب ولا فرق بين البيض والسود، وكلنا نعيش في دولة واحدة وهدفنا إعلاء هذه الدولة والنهضة بها بعد الانفصال عن المملكة البريطانية، ولكن الجنوبيين لم يطيعوا أوامر الرئيس الجديد بل وحاولوا وضع قوانين على الأراضي التي يمتلكها العبيد، وذلك خوفًا منهم على فقدان مكانتهم الاقتصادية الكبيرة في أوروبا بأكملها، وجراء هذه الأحداث قام عبيد الولايات الجنوبية بالخروج منها إما عن طريق الهرب أو العتق أو البيع خوفًا من بطش الجنوبيين.
ختامًا
في الأخير يجب عليك معرفة أن الرق والعبودية هما أساس الحرب الأهلية الأمريكية التي راح ضحيتها الكثيرين من الشعب الأمريكي، وهذه عبرة لكل دولة تنوي الانفصال وتقسيم البلاد إلى نصفين، فلم يحدث أي انقسام إلى وكانت عواقبه وخيمة جدًا مثل ما حدث في السودان وكوريا والولايات المتحدة الأمريكية.
الكاتب: أحمد علي