يعد مصطلح التضخم الاقتصادي هو الأكثر رعباً في عالم المال والأعمال، ورغم أن مصطلح التضخم من أكثر المصطلحات الاقتصادية شيوعاً واستخداماً إلا أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى تعريف محدد وثابت له، ولكن تم التوافق حول تفسير المصطلح والذي يستخدم عادة للإشارة إلى ارتفاع سقف الأسعار بصورة سريعة ومبالغة مما يؤدي إلى انخفاض العملات وانهيار الأسهم وتكبد المنشآت الاقتصادية خسائراً فادحة قد تصل إلى حد العجز عن المواصلة والانهيار التام، وقد كان التضخم الاقتصادي أحد الأسباب التي أدت إلى انهيار دول كاملة وإعلانها الإفلاس.
أسباب التضخم الاقتصادي :
عمل علماء الاقتصاد لفترة طويلة على البحث عن العوامل والأسباب التي تؤدي إلى حدوث التضخم الاقتصادي المدمر، وقد ضمت القائمة مجموعة كبيرة من العوامل في مقدمتها الآتي:
زيادة معدلات الاستهلاك :
تؤكد العديد من الدراسات الاقتصادية الحديثة على أن الدول التي تشهد معدلات مرتفعة في الطلب والاستهلاك هي الأكثر عرضة لظاهرة التضخم الاقتصادي ،أي أن المجتمعات المنتجة تحظى بدرجة أكبر من الاستقرار الاقتصادي مقارنة بالمجتمعات التي توصف بكونها مجتمعات استهلاكية، وقد يكون ذلك أحد أبرز مسببات الانهيار الاقتصادي في العديد من الدول العربية ودول قارة إفريقيا التي لا تحسن استخدام الموارد المتوفرة بها.
أبرز الدلائل على استقرار الاقتصاد الوطني في أي دولة هو أن تكون معدلات الطلب متماشية مع معدلات الاستهلاك، حيث أن ذلك يضمن ثبات الأسعار في الأسواق، لكن في حالة عدم كفاية الإنتاج لمتطلبات المستهلك يقود ذلك مباشرة إلى رفع الأسعار ونتيجة لذلك يظهر التضخم الاقتصادي في أبشع صوره، كما أن عدم سد العجز واستمرار حالة التضخم في التفاقم قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي تام.
الاعتماد بصورة كاملة على الاستيراد :
قال السلف أن من لا يملك قوته لا يملك حريته ومفهوم الحرية في الزمن المعاصر قد اختلف كثيراً، حيث أن سيطرة الدول على بعضها البعض -والتي كانت أحد أبرز أسباب الحروب في الماضي- لم تعد تحتاج إلى تحركات عسكرية، بل أن الدول الكبرى تسيطر على الدول الصغرى من خلال التحكم في مقوماتها الاقتصادية.
يقول خبراء الاقتصاد أن الازدهار لا يتحقق إلا في حالة ارتفاع معدلات التصدير وفي المقابل انخفاض معدلات الاستيراد من الخارج، وذلك لأن الاعتماد بصورة شبه كاملة على الاستيراد يؤدي إلى استنفاذ احتياطي النقد الأجنبي في البلاد مما يؤدي إلى ارتفاع قيمته في سوق تداول العملات مقابل العملة المحلية، مما ينتج عنه حدوث التضخم الاقتصادي والذي تكون أبرز مظاهره في تلك الحالة الزيادة الملحوظة في أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي.
ارتفاع تكاليف الإنتاج :
مصطلح تكاليف الإنتاج هنا يشار به إلى توفير المواد والعمالة اللازمة لإنتاج سلع أو تقديم خدمة معينة، وفي حالة ارتفاع أي عنصر من العناصر اللازمة لإتمام عملية الإنتاج يؤدي ذلك في النهاية إلى حدوث ظاهرة التضخم الاقتصادي ،حيث أن رفع قيمة التكاليف يؤدي إلى أحد احتمالين إما انخفاض قيمة أرباح المُنتج عن القيمة المُقدرة في دراسة الجدوى الاستباقية، وبالتالي تنخفض معدلات الدخل القومي في البلاد ككل، أو أنها تتسبب في زيادة الأسعار بالنسبة للمستهلك وفي كلتا الحالتين يقود ذلك إلى حدوث التضخم الاقتصادي
تلك الظاهرة تصيب الاقتصاد الضعيف وتنتشر بنسب أكبر في الدول الصغرى ودول العالم الثالث، وكذلك في مجموعة الدول التي لا تتوفر لديها المواد الخام اللازمة للإنتاج، والتي تعتمد في توفير مقومات الإنتاج على الاستيراد من الدول الأخرى.
انهيار سعر العملة المحلية :
يعد انهيار سعر العملة المحلية في البورصة هو المسبب الرئيسي لحالات التضخم الاقتصادي ،أما عن أسباب حدوث ذلك في الأساس فإنها بالغة التعدد والتنوع وتفوق ما يمكن حصره، حيث أن أسعار العملات المتداولة في تغير مستمر، كما أنها شديدة التأثر بالأحداث الجارية.
من أبرز العوامل التي قد تؤدي إلى انخفاض -وأحياناً انهيار- العملات في أسواق التداول العالمية الآتي:
- النزاعات المسلحة واندلاع الحروب بين الدول
- تعرض البلاد لأي من أنواع الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والبراكين والزلازل
- التأثر بالأزمات الاقتصادية الإقليمية والعالمية
- الاضطرابات السياسية الداخلية مثل الانقلابات العسكرية والثورات الشعبية
- الاضطرابات الاقتصادية مثل إغلاق المنشآت الاستثمارية الكبرى أو مصادرتها أو تأميمها لصالح الدولة
- الاضطرابات الأمنية مثل ارتفاع معدلات الجريمة أو التعرض إلى هجمات إرهابية وغير ذلك
- اضطرار بعض الدول إلى طباعة الأوراق النقدية وضخها في الأسواق لسد العجز، حيث أن زيادة كم العملات يصاحبه انخفاضاً ملحوظاً في قيمتها وقوتها الشرائية
يصعب حصر كافة العوامل المؤدية إلى انخفاض قيمة العملة المحلية في أسواق التداول العالمية مقابل الدولار الأمريكي، ويمكن القول أن أي عامل يؤدي إلى خلخلة استقرار المناخ الاقتصادي وتُعطل عجلة الإنتاج وطرد المستثمرين هو سبباً مباشراً أو غير مباشر في حدوث التضخم الاقتصادي
ارتفاع قيمة الفائدة النقدية :
يعتقد البعض أن ارتفاع قيمة الفوائد النقدية المقدمة من المؤسسات المالية المتمثلة في البنوك الوطنية والأجنبية أمراً حميداً، كما يخال البعض أن ذلك أحد أشكال الدعاية والإعلان التي تمارسها تلك المؤسسات لجذب المزيد من العملاء، لكن الحقيقة على النقيض تماماً من ذلك، حيث أثبتت النظريات الاقتصادية الحديثة أن زيادة حجم الفائدة التي تمنحها تلك المؤسسات على الودائع البنكية والحسابات المصرفية بمختلف أنواعها مؤشراً سلبياً.
يرى علماء الاقتصاد أن ارتفاع قيمة الفائدة هو دليل قاطع على تأزم الأوضاع في البلاد وبدء مرحلة الانهيار الاقتصادي، وقد اعتبر العديد من الخبراء وفي مقدمتهم البريطاني جون مينارد كينز أن رفع المؤسسات المالية لقيمة الفائدة إما يكون ناتجاً عن حدوث التضخم الاقتصادي أو أنه يؤدي إلى وقوعه، وقد ربطت نظرية كينز بين الازدهار الاقتصادي وانخفاض قيمة الفائدة، قائلاً بأن تقدم الدول اقتصادياً يتحقق قلما اقتربت قيمة الفائدة من “قيمة الصفر”.
يمكن التأكد من ذلك ببساطة من خلال مراجعة قيمة الفوائد المقدمة من البنوك في دول العالم المختلفة، حيث سنجد أن الدول التي تنعم بالرخاء لا تتجاوز قيمة الفوائد بها حاجز 5% تقريباً، بينما في دول التي تعاني من أزمات مالية تتجاوز نسبة الفائدة بها 10% وقد تصل لأكثر من 20% في بعض الحالات وذلك بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية.
الكساد وتردي الأوضاع الاقتصادية :
يرافق التضخم الاقتصادي عادة حالة من الكساد الصناعي والتجاري، واستمرار تلك الحالة ينتج عنه العديد من الآثار السلبية المدمرة التي قد تصل إلى حد انهيار الدول اقتصادياً بشكل كامل واضطرارها إلى إعلان إفلاسها.
أكبر حالة تضخم شهدها العالم كانت في أعقاب الحرب العالمية الأولى وهي الفترة التي عرفت باسم الكساد الكبير واستمرت لعقدين من الزمان تقريباً، حيث تسببت الحرب في انهيار سوق الأسهم الأمريكية وتعطل المصانع وتفشي البطالة، مما أدى إلى قلة حجم المعروضات وفي المقابل زيادة حجم الاستهلاك وبناء على هذا وذاك ارتفعت أسعار السلع والخدمات بصورة مرعبة، كذلك شهد العالم خلال العقد الأخير بعض الأزمات المالية العالمية والتي على إثرها أغلقت العديد من المصانع الكبرى مما أثر بشكل سلبي على معدلات الدخل العام في الدول وبالتالي انخفاض قيمة عملتها.