تُعتبر فكرة التبرع بالدم من أصحاب الوشوم فكرة غير مُحبذة تمامًا وخصوصًا من المستشفيات التي هي مُخولة أساسًا بالحصول على كميات الدم وتخزينها لإعطائها للمريض لاحقًا أو حتى عمليات التبرع المباشرة التي تحدث من شخص معلوم إلى شخص معلوم آخر، في النهاية تبقى العملية بأكملها في يد الأطباء والمستشفيات، وأولئك بالطبع سوف يتحرون البحث من أجل الحصول على أفضل جودة لهذا الدم كي تحصل منه الاستفادة المرجوة، ولهذا تراهم يرفضون بكل بساطة الدم الذي يأتي من الأشخاص المُصابين أو الموسمين بالوشوم، فهؤلاء بالنسبة للأطباء أشخاص غير موثوق أبدًا في دمائهم، لكن لماذا يا تُرى يحدث ذلك ولماذا قد يُغير الوشم من قيمة الدم؟ هذا هو السؤال الذي سنحاول الإجابة عليه في السطور القليلة المُقبلة مع الاقتراب أكثر من تأثير الوشم على الدماء، فهل أنتم مستعدون للانطلاق في هذا الموضوع الهام؟ حسنًا لنبدأ سريعًا بذلك.
الدم والوشوم
قبل أن ندلف إلى سؤالنا المتعلق بعملية التبرع بالدم من أصحاب الوشوم فلابد وأن نعرف بأن الوشم هو ذلك الشكل الذي يتم نقشه على الجسم من خلال مجموعة من المواد والأدوات غالبًا ما تكون خالدة، بمعنى أنها لن تُغادر الجسم بسهولة ولا تتأثر بالعوامل الطبيعية، فقط هي تُزال عندما تُقصد إزالتها ويكون ذلك بصعوبة بالغة، أما فيما يتعلق بارتباط الدم بالوشم فإن الوشم كي يُنقش لابد أن تُستخدم فيه مجموعة من الإبر، هذه الإبر طبعًا تدخل في الدم بشكل مباشر وبالتالي ينتج في النهاية علاقة بين الوشم والدم، لكن في النهاية يبقى السؤال الذي يُطرح من قِبل المهتمين، لماذا قد نرفض الدم من الموشومين؟
لماذا نرفض التبرع بالدم من أصحاب الوشوم ؟
الآن يأتي الدور على الجزء الأهم من ذلك المقال، وهو الذي يتعلق بالإجابة على سؤالنا الرئيسي المتصل بالتبرع بالدم لمن يمتلكون وشمًا في أي جزء من جسمهم مهما كان ذلك الجزء، فقد اتفقنا قبل قليل أن ذلك الدم لا يُنصح أبدًا باستخدامه أو التعامل معه ولو حتى بشكل طبي، لكن لماذا يا تُرى؟ لأسباب كثيرة أبرزها احتمالية تواجد الأمراض بالدم.
احتمالية تواجد الأمراض بالدم
السبب الأول الذي قد يجعلنا نرفض التبرع بالدم من أصحاب الوشوم أننا لا نضمن أبدًا خلو هؤلاء الأشخاص من الأمراض، إذ أنه من الواجب أولًا القيام بالتحاليل للوقوف على صحة الدم من عدمه، وهو ما قد يستغرق وقتًا وجهدًا، وبالتالي يُرفض تمامًا التعامل بهذه الدماء، كأنك بهذه الطريقة تحاول القضاء على الشك في مهده، والحقيقة أن فكرة الشك هنا فكرة مقبولة تمامًا وليست دخيلة أو مُبالغ فيها بالمرة، فأنت عزيز الموشوم عندما تتعرض لعملية الوشم لا تعرف مصدر الإبرة التي تم وشمك من خلالها، أنت تعرف بالتأكيد أنها قد استُخدمت في أشخاص آخرين قبلك لكنك لا تعرف حالة هؤلاء الأشخاص وهل هم أصحاء أم يُعانون من مرض معين، بعد ذلك تأتي كارثة معرفتك بماهية هذا المرض.
احتمالية كون الأمراض الموجودة بالدم معدية
عندما يمرض الإنسان بمرض معين فإنه سوف تكون هناك بالتأكيد الكثير من الطرق التي يُمكن من خلالها حصول العدوى في نهاية المطاف، وأهم هذه الطرق التي تُستخدم في النقل هي عدوى الدم، والآن دعنا نراجع سويًا التسلسل الذي سيحصل حال كون ما نتوقعه صحيحًا، ففي البداية سوف يوشم شخص مُصاب بفيروس بي مثلًا من خلال إبرة عادية ستختلط بدم ذلك الشخص المصاب بالمرض المُعدي، بعد ذلك هذه الإبرة سوف تُستخدم في عملية وشم شخص آخر لنفترض أنه صحيح، ومن خلال اختلاط الدم السليم بالدم المُصاب سوف تحدث العدوى، وبالتالي سينتقل المرض، والأسوأ ألا يعرف الشخص أنه قد أُصيب بمرض أساسًا حتى يأتي الوقت الذي يُفتح فيه الباب أمام التبرع بالدم، وهنا سوف يُصبح دم هذا الشخص الذي حصل على العدوى خطرًا، وبالتالي يكون غير قابل للتبرع وتناقل الدم، ولهذا يرفض الأطباء العملية برمتها.
انتشار الأمراض المعدية بين مجتمع الموشومين
بنسبة تزيد عن الثلاثين بالمئة يُمكننا أن نجد أن مجتمع الموشومين مصاب بالكثير من الأمراض المُعدية، ففي النهاية عندما تُستخدم إبرة الوشم أكثر من مرة، وربما بسبب شخص واحد فقط مصاب بمرض من الأمراض المُعدية، يُصبح مجتمع الموشومين بأكمله مُعرض بالخطر، والخطر هنا يكمن في أمراض غاية الخطورة مثل مرض نقص المناعة المُكتسبة والفيروسات الكبدية والملاريا، وغير ذلك من أمراض سوف يكون من الصعب جدًا التعامل معها والشفاء منها، فلماذا يا تُرى قد نُقدم على مثل هذه المخاطرة أساسًا؟ هذا ما يُفكر فيه الأطباء عندما يرفضون التبرع بالدم من أصحاب الوشوم وهذا ما تثبت صحته من يوم إلى آخر بكل تأكيد.
عدم وجود وقت للتحليل قبل التبرع
في أحيان كثيرة قد نكون هناك أمام حادثة كُبرى، حادثة ربما قد تسببت في قتل الكثيرين وتركت آخرين مُصابين، وبالتالي نحن في هذا الوقت نكون في حالة بحث دائم عن الدم النظيف الصالح للتبرع، وهو ما لا يُمكن توفيره بشكل سلس، لكن عندما يتوافر ذلك الدم ويكون صاحبه شخص من أصحاب الوشوم فإن الأمور تُصبح صعبة، فأنت لكي تتأكد عليك أن تُجري التحاليل المُختلفة لذلك الشخص، وهو ما لا يبدو منطقيًا بعض الشيء لأن الحادثة تحتاج إلى دماء والمصابين لن ينتظروا نتائج التحاليل، ولهذا يأتي الرفض مباشرةً كحل بديهي وسهل ومُريح للطرفين، حيث يكفي أنه سيكون حل خالٍ من أي مخاطر أو احتمالات.
كيفية التأكد قبل التبرع بالدم من أصحاب الوشوم ؟
الآن نحن تقريبًا نعي جيدًا حجم المشكلة التي نتحدث عنها ونُدرك أننا بصدد خطر يُهدد أثمن شيء لدينا، حياتنا، ولكي نتغلب على ذلك الخطر فإننا نحتاج فقط التأكد من أننا أصحاء قبل أن نتبرع بدمنا لشخص عزيز علينا ونضمن ألا نُسبب له الضرر بأي شكل من الأشكال، وهذا الأمر يحدث قبل عملية الوشم وفي نفس الوقت قبل التبرع بالدم، أما فيما يتعلق بالوشم فعلينا أن نتأكد بنسبة مئة بالمئة أن الإبرة التي سيتم وشمنا به إبرة لم تُستخدم من قبل، وإلا فإن الحل الأبسط من ذلك، والذي قد يكون فيه بعض التنازل، أن يتم التأكد من كون الإبرة قد تعرضت للتعقيم الجيد أمامك عينيك، هكذا يُمكن أن تخف حدة الخطر قليلًا قبل أن تبدأ عملية الوشم نفسها، لكن ماذا عن عملية التبرع؟
فيما يتعلق بعملية التبرع بالدم فإن المنطق طبعًا يقول بوجوب القيام بفحص شامل وكامل قبل الشروع في نقل الدم، هذا الفحص يكون من خلال تحليلات الدم المُتعارف عليه طبعًا، لكن يجب التأكيد على ضرورة الانتظار لفترة لا تقل عن ستة أشهر بعد عملية الوشم حتى يتم التبرع أو حتى التحليل، فالعدوى لن تحدث أبدًا بالشكل المباشر، وإنما يتفاعل الدم مع الدم خلال هذه الفترة، ولكي يحصل التأكد من وجود العدوى بالدم من عدمه علينا أن ننتظر هذه الأشهر الستة، وهو ثمن ليس غاليًا أبدًا بالمقارنة مع الحياة التي ستدمر تمامًا إذا تسلل إليها أحد الأمراض الخبيثة.
ختامًا عزيزي القارئ، ليس هناك أدنى شك طبعًا فإن فكرة التبرع بالدم من أصحاب الوشوم تظل محل شكة كبير من المستشفيات والأطباء، فكما هو واضح من الأسباب المذكورة ليس هناك أي تسليم بأن الإبر سوف تكون حاملة للأمراض، لكن المسئولين عن صحة الناس يُراعون طبعًا كل طرق الأمان الممكنة، وهو الأمر الأصح بالتأكيد.