تُعتبر الألعاب الاستراتيجية أحد أهم الألعاب التي تمتلك شعبية طاغية في كل مكان بالعالم، فبالرغم من تنوع الألعاب ووجود الكثير منها في مختلف المجالات إلا أن ذلك النوع من الألعاب بالذات يُعتبر الأكثر طلبًا بسبب ما تُوفره للمستخدم من القيام بأعمال عسكرية خيالية تُنمي خياله وتُكسبه متعة شديدة، ولهذا فإن هذه الألعاب لا تتوقف عند فئة الأطفال فقط، وإنما يُمارسها الكبار ويمنحوها نفس الشغف والاهتمام، والحقيقة إن ما زاد من انتشار ذلك النوع من الألعاب أنها تلعب على أهم وتر في الإنسان، وهو وتر المشاعر، فأنت طوال تلك الألعاب سوف تكون خائف من الموت أو القبض عليك، بشكل خيالي بالطبع، وبالتالي سوف تبذل قصارى جهدك للحفاظ على نفسك، مما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الأدرينالين في جسمك، عمومًا، في السطور القادمة سوف نتعرف سويًا على أهم تلك الألعاب الاستراتيجية والأسباب الحقيقية التي أدت إلى جعلها ذات شعبية جارفة في الفترة الأخيرة.
ما هي الألعاب الاستراتيجية؟
في البداية وقبل كل شيء علينا أولًا التعرف على المعنى المقصود بتلك الألعاب، الألعاب الاستراتيجية، فهي نوع من ألعاب الفيديو ظهر مؤخرًا بعد أن ظهرت الألعاب عمومًا مع نهاية القرن العشرين، فقد كان الإنسان حتى زمن قريب يستخدم جسمه إذا أراد ممارسة أي نوع من أنواع الألعاب، لكن ألعاب الفيديو جاءت وطغت على كل ذلك وجعلت العقل هو الشيء المُستخدم الوحيد خلال ممارستها، وطبعًا فتح هذا الأمر الباب أمام فئات كثيرة لم تكن تمارس تلك الألعاب بسبب عدم القدرة على استخدام جسدها.
الألعاب الاستراتيجية تعني أن يتم استخدام استراتيجية وتخطيط مُعينين أثناء اللعب، لا أن تتم الأمور بطريقة عشوائية، فهناك بعض الألعاب قد تحتاج منك يقظة فقط، وهناك ألعاب أخرى تحتاج تركيز من نوع معين، لكن الألعاب الاستراتيجية بالذات تحتاج إلى يقظة وتركيز وقدرة على التخطيط، ببساطة، سوف تتحول فعلًا خلال ممارستك لتلك اللعبة إلى قائد حقيقي، وسوف تشعر بالمتعة كما لم تشعر بها من قبل، وهذا ما يطلبه أي شخص بالتأكيد ويسعى إليه.
الألعاب الاستراتيجية للكمبيوتر
طبعًا ذكرنا قبل قليل أن أهم تلك الألعاب الاستراتيجية هي تلك التي تُلعب على الكمبيوتر ويُستخدم فيها العقل فقط، حيث من الممكن أن تقوم وأنت جالس في بيتك بقيادة جيش كبير وخوض حرب عظيمة، ويُمكن كذلك أن تشعر بمرارة الخسارة وفرحة الانتصار، ببساطة شديدة، كل شيء في هذه اللعبة سوف يبدو طبيعيًا بالنسبة لك إلى أبعد حد ممكن، لكن، وقبل أن نتعرف على أسباب تلك المكانة التي حظيت بها الألعاب الاستراتيجية، دعونا أولًا نتعرف على أهم الألعاب الاستراتيجية للكمبيوتر، ولتكن البداية مثلًا بلعبة الحضارة v.
الحضارة v، لعبة الملحمة
في هذه اللعبة، والتي تُعتبر من أشهر الألعاب الاستراتيجية، سوف يقودك قدرك لأن تُصبح شخصية عظيمة جدًا، أو قائد لحضارة كبرى على سبيل التحديد، وطبعًا هناك الكثير من الحضارات التي ستُتاح لك في البداية، وكل ما عليك فقط في البداية أن تختار الحضارة التي تُناسبك، وعادة ما يختار اللاعبون الحضارة الفرعونية أو الحضارة الرومانية، عمومًا، أثناء ممارستك لتلك اللعبة سوف تتمكن من فرض سيطرتك على كل الأمور في كافة الجوانب، فالأمر لا يتعلق فقط بالقيادة الحربية، وإنما ستصبح كذلك مسئول عن كافة الجوانب، وستكون لديك مجموعة من الوزراء من المفترض أنهم يُساعدونك، لكنك في الحقيقة سوف تتعرض للخيانة منهم، وهكذا تمضي اللعبة حتى النهاية، فإما أن تنجح في تحقيق المجد أو تفشل في إنقاذ الحضارة التي تقودها.
الحرب الإجمالية، الحرب حتى النهاية
في هذه اللعبة التي تُعتبر كذلك واحدة من أمتع الألعاب الاستراتيجية سوف يُطلب منك أن تقتل قائد أحد الجيوش، وسوف تعرف كذلك أن قتلك لذلك القائد سوف يؤدي إلى إنهاء المعركة لصالحك، لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة، ففي طريقك إلى ذلك القائد سوف تتعرض للكثير من المشاكل، وسوف يكون أمامك خريطة أقل ما يُقال عنها أنها معقدة، وطبعًا لفيف كبير من الجنود المستعد لقتلك فور رؤيتك، ولنرى هل ستتمكن من السيطرة على كل هذا أم أنك ستفشل في نهاية الأمر، القرار راجع في البداية والنهاية إلى ذكاءك وقدرتك على المراوغة والقتل والاختباء.
كروسيدر كينج، لعبة البداية من الصفر
في هذه اللعبة المثيرة سوف يُطلب منك أن تتسلم أرض فارغة وتقوم ببناء مدينة كاملة وتجهيز جيش وحماية شعب، كل ذلك سوف يحدث في لحظة واحدة، وسوف تجد نفسك دون أي مُقدمات مُطالب بأن تكون قائدًا وقادرًا على مواجهة كل هذه الصعاب، المشكلة الحقيقية أنك سوف تواجه ممالك أخرى سترغب بالتأكيد في محاربتك والقضاء عليك من أجل السيطرة على مملكتك، والسؤال الآن، هل سيُمكنك عقلك من حسن الإدارة والسيطرة على الأمر أم أنك ستفشل وتفقد مملكتك في مهب الريح، اللعبة وسيرها سوف يُجيبان على ذلك السؤال الذي لن يكون سهلًا بالمرة.
العدو المجهول، محاربة الشيء الذي لا تراه
أيضًا من ضمن الألعاب التي تُصنف على قائمة الألعاب الاستراتيجية هي تلك التي تتعلق بالمخلوقات الفضائية أو العدو المجهول، وتحمل نفس الاسم كذلك، ففي هذه اللعبة التي وُجدت في عام 2012 تقوم منظمة بمحاربة كائنات فضائية مجهولة هبطت إلى الأرض لمحاولة تدميره، وطبعًا لا يحتاج الأمر إلى تفكير طويل لإدراك أن تلك المنظمة هي أنت أيها اللاعب، وكما يبدو فإن اللعبة لا تخلو من الخيال العلمي والإثارة والتشويق في نفس الوقت، وهو ما يجعلها جديرة حقًا بأن تُلعب وتُصنف ضمن قائمة الألعاب الاستراتيجية المُثيرة.
حرب المناورات، لعبة الدفاع عن الشعب
في هذه الحرب سوف تكون قائدًا لأحد الدول الأوروبية وسوف تُطالب بمحاربة أكثر من خمسة وسبعين دولة أخرى، وفي هذه الحروب عليك أن تفعل أمرين، أولهما بالتأكيد أن تهزم باقي الدول التي تُعاديك، والثانية هي أن تحمي شعبك، وذلك لأنك بالطبع سوف تُحارب، والحرب تعني أنك سوف تغامر، والحقيقة أن سبب عشق البعض لتلك اللعبة هو أنها تحبس الأنفاس منذ اللحظة الأولى التي ستنوي فيها خوض تلك المغامرة الشيقة.
الألعاب الاستراتيجية الحربية
في الواقع تُعتبر الألعاب الاستراتيجية من النوع الحربي هي أكثر أنواع الحروب طلبًا ورغبة في اللعب من قبل اللاعبين، فهما بلغت قوة الألعاب الأخرى فإن الحربية بالذات ترفع معدل الإثارة إلى قمته، وهذا الأمر يظهر بكثرة من خلال أعداد التحميل على هذه الألعاب، والذي يتجاوز السبعين بالمئة من الألعاب الاستراتيجية، فكما يُقال، كل شخص بداخله محارب يتحين فرصة الظهور في الوقت المناسب، والوقت المناسب بالنسبة للبعض هو الوقت الذي يجلس فيه أمام الشاشة الصغيرة أو الكبيرة لبدء اللعبة، وذلك من أجل الخوض التي تكون خسائرها وأرباحها حربية فقط.
لماذا أصبحت الألعاب الاستراتيجية شديدة الشعبية؟
بعد أن استعرضنا أبرز الألعاب الاستراتيجية والإقبال الكبير عليها يتضح مما سبق أن تلك الألعاب تحظى بشهرة كبيرة جدًا، السؤال الآن، ما الذي يجعل تلك الألعاب تحظى بكل هذه الشهرة؟، وما الذي يجعلها جاذبة للشباب أكثر من ألعاب أخرى من المفترض أنها الأقدم والأكثر حضورًا؟، في الواقع هذه أسئلة هامة، والإجابة عليها بالتأكيد محل نقاش، لكننا سنكتفي بالتعرض إلى أبرز تلك الإجابات، وعلى رأسها مثلًا قدرة الألعاب الاستراتيجية على تشغيل العقل.
قدرة الألعاب الاستراتيجية على تشغيل العقل
من المعروف أن الألعاب الرياضية يُقصد بها تشغيل العضلات وكل جزء في الجسم، هذا بالتأكيد أمر هام جدًا، لكن العقل كذلك في حاجة إلى تشغيله نظرًا لأهميته الكبيرة، فكما يُقال، العقل السليم في الجسم السليم، وهذا يعني أنه بدون قوة العقل لن يتمكن الجسم من السير في طريقه، والواقع أنه ليس هناك شيء قادر على تشغيل العقل أكثر من الألعاب الاستراتيجية، وذلك لأنها قادرة على جعل الشخص مُخير بين عدة خيارات لا يُمكن الاختيار بينها سوى بعد تشغيل العقل، لذلك يُصبح الأمر ليس مجرد خيار، وإنما اختيار إجباري، وطبعًا كل شخص في هذه الحياة يحتاج لتشغيل عقله أطول فترة ممكنة لأنه يُعتبر الوقود الذي يتحرك به الجسم بأكمله.
جرعة أكبر من المتعة
يبحث الإنسان دائمًا عن المتعة، هذا أمر لا خلاف عليه في كل زمان ومكان، بل لن نبالغ إذ نقول أن الإنسان يُمكنه أن يخوض الحروب ويرتكب الكثير من الذنوب فقط من أجل أن يحظى ببعض المتعة، والأمثلة على ذلك الأمر بالطبع كثيرة، والحقيقة أن متعة الألعاب الاستراتيجية بالذات تُعد مصدرًا هامًا من مصادر المتعة المفرطة، تخيل مثلًا أنك قائد على رأس جيش، أو بطل قوي مُطالب بمحاربة وحش، أليست كل هذه الأمور من المفترض أنها ترفع من مُعدل المتعة في جسمك وتجعلك أقرب إلى الطائر في السماء؟ ثم أننا نتواجد في هذه الحياة ومنذ اللحظة الأولى نحاول أن نحظى بكل مقدار موجود من المتعة، وقد جاءت الألعاب الاستراتيجية وسهلت من تلك المهمة، ألا يستحق هذا أن يمنحها الشعبية!
محاكاة الضغوطات النفسية
الإنسان مُعرض في كل وقت للتعرض إلى الضغوطات النفسية، لكنه غالبًا ما يفشل في مواجهة تلك الضغوطات لسبب بسيط جدًا، وهو أنه يكون غير قادر على مواجهتها بسبب عدم التعرض لها من قبل، أو بمعنى أدق، لا يمتلك الخبرة الكافية لفعل ذلك الأمر، ومن هنا يأتي دور الألعاب الاستراتيجية التي قوم بوضع الشخص تحت الضغوطات النفسية اللازمة وجعله يخوض صراعات وتحديات ليس من الطبيعي أبدًا خوضها، وفي خضم كل ذلك يكتسب الخبرة اللازمة له كي يُواجه المشاكل فيما بعد بكل سهولة، ولهذا كان من الطبيعي جدًا أن تحظى الألعاب الاستراتيجية بكل هذه الشعبية، فهي كما نرى تصنع من الأشخاص نماذج قادرة على مواجهة التحديات والضغوطات، وهذا أمر بالتأكيد عظيم وجاذب.
التهيئة للقيادة
كما ذكرنا من قبل، داخل كل شخص قائد صغير يتحين الوقت المناسب من أجل الخروج وممارسة دوره القيادي، لكن مع زيادة أعداد البشر وقلة الصراعات وإرساء مبدأ المشاركة، بات من غير المتاح إخراج إمكانيات ذلك القائد، ففي أغلب الأحيان تظل تلك القدرات حبيسة للأبد، ومن هنا جاء دور الألعاب الاستراتيجية الذي جعلها شديدة الشعبية، وذلك الدور يتمثل في قدرتها على تهيئة الممارسين لها للقيادة، أو أن يوضعوا في مكان القائد ويُعانوا من نفس الضغوطات ويُصبح لزامًا عليهم اتخاذ بعض القرارات، ألا ترون أن الأمر ممتع بالفعل؟