الأب الروحي يأتي بمركز متقدم ضمن أهم عشرة أفلام قدمت في تاريخ السينما العالمية، وفي نظر كثير من النقاد هو ملحمة سينمائية متكاملة، ويُعدونه أروع ما تم تقديمه على الشاشة، كما حقق الأب الروحي بأجزائه الثلاثة نجاحاً كبيراً بشباك التذاكر، وذلك بسبب الأداء الساحر لأبطاله وتمكن مخرجه، وقصته التي تحمل الكثير من التقلبات والمفاجآت، ولكن الحقيقة إن المفاجآت المتعلقة بكواليس ذلك الفيلم، لا تقل إثارة وغرابة عن نظيرتها التي ظهرت على الشاشة.
الأب الروحي .. وراء الكاميرات :
شهدت مراحل إعداد وتنفيذ فيلم الأب الروحي العديد من المفارقات والغرائب والمواقف الاستثنائية، التي نتج عنها خلق عملاً سينمائياً هو الأهم في تاريخ الفن، ومن أمثلة ذلك:
تصوير تحت التهديد :
أكثر الأمور التي يخشاها مخرجين السينما عند البدء في تصوير أفلامهم، هي التغيرات الفجائية في حالة الطقس، مثل أن تهب الرياح أو تهطل الأمطار فجأة أو أي عوامل أخرى ليست بالحسبان، قد تتسبب في إهدار الوقت وإعاقة التصوير، ولكن الأمر كان مختلفاً بالنسبة لصُناع فيلم الأب الروحي ،فطيلة أيام التصوير كانوا معرضون لما هو أخطر، وكانت حياتهم وسلامة أسرهم مهددة، وقد وصلهم أكثر من خطاب من المافيا ينطوي على تهديدات شديدة اللهجة، تحذرهم من الاستمرار في العمل على الفيلم أو طرحه بالسينمات، وكانت الشرطة تكثف تواجدها في مواقع تصوير الفيلم لحماية العاملين به، خشية تعرضهم لأي هجوم مسلح من قبل تلك المنظمات الإجرامية.
مافيا.. كلمة مُحرمة :
بعد التهديدات التي وصلت إلى طاقم عمل الفيلم، وعلى رأسهم مخرجه ومنتجه وبطليه مارلون براندو وآل باتشينو، حاولت الجهات الأمنية إثنائهم عن فكرة تنفيذ الفيلم أو على الأقل تأجيله، ولكن أمام إصرارهم طالبوهم بتعديل حوار الفيلم، وحذف كل العبارات التي ذُكر فيه مصلطح (مافيا)، واستجاب المخرج لطلبهم، ليصبح الأب الروحي بذلك أشهر الأفلام المتناولة لحياة عصابات المافيا وجرائمهم المنظمة، هو الفيلم الوحيد الخالي من أي ذكر صريح لمُسماهم.
رأس الحصان.. حقيقية :
يستيقظ أحد خصوم العراب فيتو كورليوني من النوم، ليفاجئ بوجود رأس حصانه المفضل ملقاه بفراشه، كرسالة تهديد مباشرة من المافيا.. ذلك أحد أشهر مشاهد الجزء الأول من ثلاثية الأب الروحي ،وكان الاتفاق بين المخرج فرانسيس فورد كوبولا والممثل جون مارلي إنه سيحضر رأساً صناعية، ولكن وقت التصوير حين نهض الممثل من الفراش فوجئ برأس حصان حقيقية ملقاه بجانبه، وإن حالة الفزع التي تملكته وظهرت على الشاشة لم تكن أداءً تمثيلياً بل كان ذعراً حقيقياً، وهذا بالتحديد ما أراده المخرج فخدع
الكلب.. مصدر الإلهام :
المظهر الذي ظهر به النجم مارلون براندو في دور دون فيتو كورليوني كان من اقتراحه، فتوجه إلى المخرج وعرض عليه فكرة المكياج التي يود تنفيذها، كيف يصبح مظهره مناسباً لشخصية الأب الروحي ،ذلك رجل خبيث أسس واحدة من أخطر العائلات الإجرامية في العالم، وكان مصدر إلهام براندو وجه الكلاب من نوع بولدوج، وبالفعل تم عمل المكياج بحيث يبدو متورم الوجه، وشفتيه بهما شىء من الإعوجاج، وهي خصائص شكلية يتشاركها زعيم المافيا والكلب البولدوج!..
أعمق المشاهد جاء بالصدفة :
افتتاحية فيلم الأب الروحي الجزء الأول هي واحدة من أروع الافتتاحيات في تاريخ الفن السابع، حيث يظهر بالمشهد الأول الدون كورليوني وهو يحمل قطاً يداعبه باستمرار، رأى النقاد إن تلك اللمحة أضفت على المشهد وعلى الفيلم ككل عمقاً، حيث إن القط يعد انعكاساً لشخصية زعيم المافيا، فالزعيم يخفي جبروته خلف ابتسامة ودودة وملامح هادئة، كما يخفي القط مخالبه ويبدو من الحيوانات الأليفة المسالمة، ولكن اعترف كوبولا في وقت لاحق إن النص الأصلي لم يكن يتضمن وجود قطاً، ولكن حين حضر براندو للاستوديو لإجراء اختبارات تجسيد الشخصية، وبينما هو يتجول معه بأرجاء الاستوديو شاهد قطاً متسسلاً يتحرك بالأنحاء، فراودته فكرة إضافة تلك الرمزية للمشهد، فأمسك بالقط الذي على ما يبدو كان مقدراً له أن يصبح أشهر حيوان في تاريخ صناعة الفن السينمائي.