اكتئاب الأطفال من الأمور التي يتعامل معها الآباء بشىء من الاستهانة، باعتبار أن الأطفال متقلبون المزاج بطبيعتهم كما أنهم ينسون سريعاً، إلا أن الدراسات العلمية أثبتت خطأ ذلك الاعتقاد، وأكدت أن اكتئاب الأطفال لا يقل خطورة وألماً عن الاكتئاب الذي يصيب البالغين، وأوصت بضرورة توفير الرعاية النفسية اللازمة للطفل إذا استمرت حالة الاكتئاب لفترة أطول من المفترض أو إذا تسبب في إحداث تغيراً في سلوكه، مثل توقفه عن ممارسة الأنشطة التي اعتاد عليها بصورة مفاجئة أو جنوحه إلى العنف اللفظي أو البدني.
مسببات اكتئاب الأطفال :
السؤال الذي يفرض نفسه هو ما الدوافع أو الأسباب التي تسبب اكتئاب الأطفال في ذلك العمر المبكر، وقد قسم الخبراء إجابة هذا السؤال إلى سبب عضوي رئيسي ومجموعة من الدوافع النفسية كالآتي:
أ) السبب الرئيسي لـ اكتئاب الأطفال :
لم يتمكن العلماء من تحديد عامل واحد رئيسي يرجعون إليه السبب في حدوث حالات اكتئاب الأطفال ولكن هناك بعض النظريات أو الفرضيات التي عقدت حول ذلك، تلك الفرضيات تقول أن اكتئاب الأطفال يقع نتيجة حدوث خلل في توازن المواد الكيميائية داخل عقل الطفل، حيث يؤثر هذا الاختلال في التوازن الكيميائي بصورة سلبية بالغة على الحالة النفسية والمزاجية لدى الطفل.
يتشابه اكتئاب الأطفال في هذه النقطة مع الاكتئاب العام أو ذلك النوع من الاضطرابات النفسية الذي يصيب البالغين، فيتسبب في شعورهم بدرجات متفاوتة من الضيق ويدفعهم إلى العزلة، وفي بعض الحالات يتفاقم الأمر إلى الحد الذي يتطلب الحصول على رعاية نفسية على يد متخصص، حيث من الممكن أن يقدم مريض الاكتئاب على أذية نفسه.
ب) دوافع اكتئاب الأطفال :
يتشابه اكتئاب الأطفال مع الاكتئاب العام أو اكتئاب البالغين من حيث آلية الحدوث، ولكن الدوافع المؤدية إلى هذا الخلل نفسي تختلف، وقد حدد علماء النفس والاجتماع مجموعة من المسببات المُرجح أنها تقود إلى حدوث ذلك الاضطراب، ومنها الآتي:
المشاكل الأسرية :
تأتي المشاكل الأسرية وخاصة المتكررة على رأس قائمة العوامل المضرة بالحالة النفسية للأطفال، حيث أكد العلماء أن عدم استقرار الحياة الأسرية من مسببات عدوانية الأطفال، كما أنها تصيبهم بالعديد من الانحرافات السلوكية مثل السرقة عند الأطفال أو اتجاههم إلى الإدمان على التدخين أو التمرد على الأبوين وغيرها.
يرى العلماء أن ذلك الاضطراب السلوكي لا ينتج بصورة مباشرة عن تلك المشاكل، إنما هو ينتج عن اكتئاب الأطفال الذي تحدث الإصابة به نتيجة النشأة في مناخ أسري غير مستقر مشحون بالقلق والتوتر والضغوط.
انفصال الأبوين :
يعتبر الطلاق أبغض الحلال وفقاً للنص القرآني الصريح، وحين تناول الفقهاء بالشرح والتفسير وجدوا أن أحد أسباب اعتباره بغيضاً رغم حلاله أنه يؤثر بصورة سلبية على الابناء، وهو الأمر الذي أكدته الدراسات العلمية التي أثبتت أن الابناء الذين انفصل أبويهم وهم في عمر صغير كانوا الأكثر عرضة للإصابة بـ اكتئاب الأطفال أو غيره من الاضطرابات النفسية، ولهذا يُنصح في حالة استحالة العشرة بين الزوجين أن يستشيرا أحد المتخصصين ليوجههم إلى الأسلوب الأمثل للتعامل مع الابناء ومعاونتهم على اجتياز تلك الأزمة.
تجدر الإشارة إلى أن حدة اكتئاب الأطفال تتضاعف في حالة زواج أحد الأبوين من شخص آخر، حيث أن ذلك يفقده الأمل في لم شمل الأسرة مجدداً.
تغير نمط الحياة :
الأطفال بطبيعتهم مرهفي الحس يتعلقون بالأشخاص والأشياء بصورة قوية وسريعة، ومن ثم اعتبر العلماء تغير نمط الحياة أحد أسباب حدوث اكتئاب الأطفال ،ففي حالة انتقال العائلة إلى منزل جديد غير الذي اعتاد الطفل عليه أو هجرتهم إلى بلد آخر، فغالباً ما تنتاب الطفل مشاعر ضيق ناتجة عن افتقاده إلى نمط الحياة الذي اعتاد عليه وتعلق به، وغالباً ما تزول تلك الحالة من تلقاء نفسها مع مرور الوقت واعتياد الطفل على التغير الذي طرأ على حياته.
تغير نمط الحياة لا يُقصد به فقط تبدل الأماكن، بل أن فقدان الأشخاص أيضاً من المسببات المباشرة لحالات اكتئاب الأطفال ،فعند حدوث حالة وفاة في العائلة أو سفر شخص أو صديق مقرب لفترة طويلة غالباً ما يترك ذلك أثر سلبي في نفس الطفل، ولابد أن يشتمله الأبوين بالحنان والعطف ويساعدانه على تخطي تلك الأزمة، وفي حالة استمرار الاكتئاب لابد من عرضه على متخصص لتلقي الرعاية النفسية المناسبة قبل تفاقم الوضع.
العوامل الوراثية والأدوية :
أشارت بعض الأبحاث إلى أن الاضطرابات النفسية تتشابه مع الأمراض العضوية، أي أنها قد تنتقل عن طريق العوامل الوراثية، ويعد اكتئاب الأطفال أحد الاختلالات النفسية المحتمل أن تنتقل إلى الأطفال عن طريق الوراثة، لذا عند ملاحظة أعراض الاكتئاب على الطفل مع عدم توفر دوافع ظاهرة لتلك الحالة يُنصح بالنظر في التاريخ المرضي للعائلة.
كذلك بعض الأدوية التي تستخدم مع الأطفال تؤثر المواد الداخلة في تركيبها على كيمياء المخ وبالتالي تسبب اكتئاب الأطفال وقد خص الأطباء بالذكر الأدوية المخدرة ومسكنات الألم.