اتخاذ القرارات الصعبة والحاسمة من الأمور التي تزعج الكثير من الأشخاص، خاصة أن تلك القرارات عادة ما يكون لها انعكاسات مباشرة على حياته وفي بعض الأحيان قد تقود إلى إحداث انقلاباً أو تغيراً جذرياً بها، لكن في النهاية اتخاذ القرارات ليس خياراً يمكن القبول به أو الامتناع عنه، بل أن حياة الأشخاص في واقع الأمر ما هي إلا سلسلة من القرارات المتعاقبة، فترى ما الذي يدفع البعض من اتخاذ القرارات من ذلك النوع؟ وبالتالي يحول دون تحقيقهم لأي إنجاز من أي نوع في مسيرتهم؟
أسباب التردد في اتخاذ القرارات الصعبة :
يصادف الجميع مواقف حياتية مختلفة تجبرهم على اتخاذ القرارات الصعبة أو المصيرية والنسبة الأكبر من الأشخاص يترددون في الإقدام على تلك الخطوة وذلك لعدة أسباب، من أبرزها الآتي:
الاطمئنان إلى الأمر الواقع :
يأتي الاطمئنان إلى الأمر الواقع على رأس العوامل التي تعيق عملية اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية في حياة الإنسان، بل أن علماء النفس يرون أن ذلك العمل هو أحد الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الفشل في تحقيق الأهداف أيا كانت درجة أهميتها وأيا كان مستوى تأثيرها على حياة الفرد.
أثبتت الدراسات العلمية أن الإنسان بطبعه لا يميل إلى المغامرة بدرجة كبيرة، وأنه يفضل إبقاء الوضع على ما هو عليه حتى لو كانت تلك الأوضاع على خلاف رغبته ولا يلبي طموحاته حيث أن ذلك يمنحه شعوراً بالسيطرة والاعتياد والاستقرار، وهي الحالة التي تعرف بالمسمى الشائع “البقاء ضمن النطاق الآمن”، وكلما كانت الخيارات المتاحة أمام الفرد أكثر أهمية وبالتبعية لها تأثير أكبر على حياته -حتى إن كان إيجابياً- تزداد درجة التردد، ومن ثم أولى قواعد اتخاذ القرارات تتمثل في ضرورة التخلص من ذلك الشعور وتحفيز النفس على اتخاذ الوثبات الإيمانية والقرارات الحاسمة من أجل المضي قدماً للأمام.
نقص المعلومات :
ثاني أبرز العوامل التي تعيق عملية اتخاذ القرارات الصعبة تتمثل في قلة كم المعلومات المتوفر لدى الفرد تجاه الأمر المطلوب منه اتخاذ قرار بشأنه، مثل الانتقال إلى وظيفة جديدة أو تحديد التخصص الدراسي أو الكلية الراغب في الالتحاق بها، ويؤكد العلماء أن العلاقة بين التردد في اتخاذ القرارات وبين المعلومات المتوفرة علاقة عكسية أي أن كلما زاد أحدهما قل الآخر، ومن ذلك نستنتج أن جمع المعلومات حول الأمر المُحير -أيا كان نوعه- أمر بالغ الأهمية لتقليل حدة الارتباك والتوتر عند اتخاذ القرارات المختلفة.
يمكن جمع المعلومات -في الزمن المعاصر- حول أي أمر بصورة سهلة وبسيطة، حيث يمكن الاستفادة من انتشار الإنترنت في هذا الصدد بصورة كبيرة، أو استشارة أصحاب الخبرة ومن لهم تجارب سابقة في هذا المجال، أو غير ذلك من وسائل وأساليب جمع المعلومات المختلفة.
الانشغال بمراقبة الغير :
مراقبة الناس من الأمور التي نهت عنها تعاليم الدين الإسلامي ومختلف الأديان السماوية، ذلك لما لها من تأثير سلبي على حياة الفرد وبالتالي المجتمع بشكل عام، وأحد تلك الآثار السلبية أنها تعيق الإنسان عن اتخاذ القرارات الصعبة والحاسمة والتي من شأنها إحداث نقلة نوعية في حياته وتحسين أوضاعه على مختلف الأصعدة، حيث أن مراقبة الآخرين تُشعر الشخص بالإحباط وتمنعه من تحقيق الأهداف المختلفة.
كذلك أشارت الدراسات إلى أن الأشخاص معتادي مراقبة الناس أقل قدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة والصعبة، وذلك لأن هؤلاء الأشخاص عادة ما يحتقرون ذواتهم ويحطون من شأنها، وبطبيعة الحال يدفعهم ذلك إلى التشكك في قدراتهم والإقلال منها ومن قدرتهم على إحداث تأثير.
الجمود الفكري :
يعد الجمود الفكري سبباً مباشراً في منع الإنسان من اتخاذ القرارات الصعبة والحاسمة في حياته، بل وقد يكون سبباً في بعض الأحيان في اتخاذ القرارات الخاطئة التي يكون لها انعكاسات سلبية عديدة على حياته فيما بعد، وذلك يرجع إلى أن الإنسان في كثير من الأحيان يتمسك بوجهة نظره الأولى تجاه أمر ما ويرفض رفضاً تاماً تغييرها، ومن ثم قد يمتنع عن اتخاذ خطوة ما اعتقاداً منه بأنها غير مجدية بالقدر الكافي.
ينصح الخبراء بضرورة أن يضع الإنسان جميع الاحتمالات نصب عينيه وألا يتعامل مع اعتقاداته الشخصية بصفتها نصوصاً مقدسة غير قابلة للمساس، إنما يجب الاستفادة من آراء الغير وجمع المعلومات الكافية حول الأمر أيا كان نوعه ومن ثم إعمال العقل و اتخاذ القرارات بتروي وهدوء.
القرارات الخاطئة المتخذة بالماضي :
يكون عجز الشخص عن اتخاذ القرارات المناسبة والحاسمة في بعض المواقف راجع إلى تجاربه السابقة التي غالباً لا تكون سعيدة بالنسبة له، مثال ذلك نجد الشخص الذي وصل به الأمر إلى الطلاق ذات مرة يتردد كثيراً قبل أن يتخذ قرار الزواج مرة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لمن أقدم على تغيير مهنته على سبيل المثال ثم لم يحرز تقدماً يتخوف من فكرة البحث عن فرصة عمل أخرى ويعتبر ذلك مغامرة من نوع ما غير محسوبة العواقب.
ينصح أطباء النفس والخبراء بألا يجعل الشخص تجاربه السابقة حائلاً يمنعه من استكمال مسيرته، حيث أن الحياة في النهاية ما هي إلا سلسلة من القرارات، واتخاذ بعض القرارات الخاطئة في الماضي لا يعني أن قرارات الشخص بأسرها ستلقى نفس المصير، حيث أن الأشخاص الذين يتبعون تلك السياسة في حياتهم عادة ما يبقون على أوضاعهم ولا يحرزوا أي تقدم من أي نوع في حياتهم، بل أن الأمور قد تسوء في بعض الأحيان.
مقارنة النفس بالآخرين :
تعد مقارنة بعض الأشخاص لأنفسهم بالآخرين أحد العوامل الأساسية المؤدية إلى الفشل في اتخاذ القرارات على اختلاف أنواعها، وتتضاعف احتمالات الفشل كلما كان القرار أكثر مصيرية ويتطلب درجة أعلى من الحسم، والتردد في تلك الحالة يكون راجعاً إلى أن المقارنة عادة ما تكون غير موضوعية ولا تستند إلى أي معايير علمية أو حقيقية، مثال ذلك اعتقاد البعض بأنهم لا يمتلكون القدرات والخبرات التي يمتلكها الآخر والتي مكنته من تحقيق النجاح أو إحداث تحول ما في حياته، وقد يتم الأمر بصورة معاكسة مثل أن يفشل الآخر في تحقيق هدف ما ومن ثم يتسبب ذلك في تولد قناعة لدى الشخص بأن الأمر بالغ الصعوبة أو مستحيل ومن ثم يتجنب خوض التجربة والقيام بالأمر -أيا كانت طبيعته- لتفادي المجازفة.
الخوف من الفشل :
قد يكون الخوف من الفشل أو تراجع الأوضاع الاجتماعية أو المادية سبباً في تحفيز الإنسان على بذل المزيد من الجهد بقصد تحقيق النجاح والطموحات المرضية بالنسبة له، لكن في كثير من الأحيان قد يتسبب الخوف -حال زيادته عن حده- في إعاقة الشخص عن تحقيق أهدافه ويصبح سبباً رئيسياً في انعدام قدرة الفرد على اتخاذ القرارات المصيرية في حياته.
إذا نظرنا إلى النسبة الأكبر من الأشخاص الذين تقدم بهم العمر دون أن يحرزوا أي تقدم في مسيرتهم الحياتية سواء على المستوى المهني أو الشخصي نجد أن التخوف من خوض التجارب من الأصل هو السبب الرئيسي في ذلك، ويكون ذلك دائماً وأبداً بسبب الرهبة من فشل التجربة وما قد يترتب على ذلك من آثار.