مما لا شك فيه أن الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد لا يزال حتى الآن يتربع على قائمة الأفضل في مصر والوطن العربي بأكمله، وهذا بالتأكيد ليس مجرد كلام مُرسل يقولوه عشاقه الموجودين في كل ركن من أركان العالم العربي، وإنما الجوائز وحفلات التكريم الكثيرة التي أُقيمت له في العقدين الماضيين يؤكدان ذلك الأمر، وإن كان عبد المجيد بالطبع لا يحتاج الحديث عنه لكننا نحن من نحتاج إلى استحضار تاريخ ذلك الرجل المُدهش، والذي يتردد اسمه بالمناسبة في كل مرة يذهب فيها الحديث عن ترشيحات جائزة نوبل، فما دام إبراهيم عبد المجيد على قيد الحياة فإنه سوف يظل ضمن قائمة المرشحين، هذا إذا لم يكن القدر مُنصفًا معه لنيل الجائزة بالفعل كي تُضاف إلى سجل الجوائز الكثيرة التي حظي بها، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نُجيب سويًا على سؤال هام، وهو لماذا يُعتبر ذلك الرجل أفضل الروائيين العرب وأكثرهم انتشارًا بين القراء، ولتكن البداية مع السبب الأول والأبرز، وهو كتابته لثلاثية الإسكندرية العبقرية.
كتابة ثلاثية الإسكندرية العبقرية
لكل كاتب روائي أعماله التي تظل خالدة في الذهن، فمثلًا عندما نتحدث عن نجيب محفوظ فإن أعمال مثل الحرافيش وبين القصرين وأولاد حارتنا سوف تكون في الواجهة لتُعلن بشدة عن قوة هذا الاسم، أما فيما يتعلق برجلنا الذي نتحدث عنه فقد كانت ثلاثية لا أحد ينام في الإسكندرية علامة مُسجلة باسمه، حتى أنها وقت صدورها اعتلت قوائم المبيعات ودخلت إلى بيت كل قارئ، ونخص بالذكر الرواية الأبرز ضمن هذه الثلاثية، وهي رواية لا أحد ينام في الإسكندرية التي حملت اسم الثلاثية، وإن كنا سنمنح لقبًا لكل رواية فإن هذه الرواية كانت نجمة جيل بداية الألفية الثالثة بين مثيلاتها.
ثلاثية الإسكندرية لم تنل إعجاب القراء فقط، فغالبًا ما لا يميل البعض إلى الثقة في آراء هذا القطاع بحجة أنه يتبع هواه ويتقلب مِزاجه سريعًا، لكن النقاد أيضًا كانوا يرون في هذه الثلاثية نقلة جديدة في عالم الكتابة، وقد كانت مفارقة غريبة أن تحظى رواية بإعجاب النقاد والقراء في آنٍ واحد لأن هذا الأمر نادر إذ لم يكن مستحيل الحدوث، أضف إلى ذلك الحصول من خلال هذه الثلاثية على العديد من الجوائز، والجوائز في حياة إبراهيم عبد المجيد ظاهرة أخرى تستحق التحدث عنها بشكلٍ مُنفصل كي تُمنح حقها.
الفوز بأغلب الجوائز الأدبية المُتاحة في العالم العربي
بعض النقاد والقراء لا يعتقدون أن الكاتب كاتبًا إلا عندما يفوز بالجوائز ويحصد أعلى التقديرات الرسمية، هكذا فقط يُمكنهم الاقتناع أنهم أمام كاتب حقيقي كبير، وفيما يتعلق بالكاتب إبراهيم عبد المجيد فإن الرجل قد حصد تقريبًا ثلاثة أرباع الجوائز الأدبية الموجودة في الوطن العربي، حتى تلك الجوائز التي لم يحصل عليها إما لكونه لم يشترك بها من الأساس أو لأنها كانت مُلتزمة بسن مُعين كحد أقصى للمترشحين، فكما نعرف، أصبحت الجوائز الآن تُفسح المجال أكثر للكتاب الشباب من أجل ضخ دماء جديدة، عمومًا، عبد المجيد بتاريخ وشهرته ليس في حاجة أصلًا إلى جوائز جديدة لتأكيد مكانته كأفضل كاتب في مصر والعالم العربي، أو ضمن الأفضل على أقل تقدير.
مثلًا من ضمن الجوائز التي حصل عليها إبراهيم عبد المجيد جائزة الشيخ زايد، وهي جائزة كُبرى تُعتبر الأعرق والأكثر من حيث القيمة الأدبية والمادية في الوطن العربي، وهناك أيضًا جائزة ساويرس، وهي أكبر جاهزة أدبية خاصة في مصر، ناهيكم عن الدخول ضمن القائمة الطويلة والقصيرة للمرشحين بالفوز بجائزة البوكر للرواية العربية، وهي جائزة مُشتقة من جائزة البوكر العالمية، لكنها تختص فقط بالكتابات العربية، وكذلك هناك الجوائز التي تمنحها وزارات الثقافة في مصر مثل التقديرية والتشجيعية، والكثير من الجوائز الأخرى التي لا تكفي السطور لذكرها جميعًا.
ترجمة رواياته إلى كثير من اللغات
كذلك من ضمن الأسباب التي تجعلنا نقول أن إبراهيم عبد المجيد يُعتبر من أفضل الكتاب الموجودين في الوطن العربي أن أغلب الروايات التي قام بكتابتها قد تُرجمت إلى لغات مُتعددة، وهذا ما يعكس ثقة المُترجم الغربي به، والذي نادرًا ما يُقدم على ترجمة محتوى عربي، بل دائمًا ما يحصل على العكس، وهو ترجمة العرب للمحتوى الغربي، لكن ثمة كتاب تتوقف عندهم القاعدة مثل نجيب محفوظ قديمًا وإبراهيم عبد المجيد حديثًا، فقد بدأت حركة الترجمة في أوجها بالنسبة له خلال بدايات الألفية الثالثة، والتي شهدت معظم الروايات الفارقة في حياته مثال ثلاثية الإسكندرية.
بالطبع كانت ثلاثية الإسكندرية هي أول الكتب التي يتم ترجمتها لعبد المجيد، وقد شملت لغات متعددة مثل الفرنسية والانجليزية والإسبانية، وهناك أيضًا روايات أخرى تمت ترجمتها لكن لعدد أقل من اللغات، عمومًا حركة الترجمة هذه تأتي للكاتب في الأساس كي تُكلل إبداعه وتُبرهن على أن ذلك الإبداع قد تخطى الحدود لدرجة أنه قد أصبح قابل للترجمة والمنافسة مع الإبداعات الأخرى في أماكن أخرى، ثم تأتون الآن وتسألون عن أسباب كون هذا الرجل الأعظم بين الكتاب العرب الحاليين! المسألة واضحة بكل تأكيد، أما عن الأسباب فثمة المزيد منها والمزيد.
دخوله قائمة العرب المرشحين لنوبل
في نهاية كل عام تُعلن مؤسسة نوبل الفائزين بجوائزها، والتي من ضمنها بكل تأكيد جائزة نوبل في الآداب، ومن عادة هذه الجائزة أنها لا تُحدد أي مُرشحين، بل يتم إعلان الفائز بصورة مباشرة وكأنها مفاجأة مثلًا، عمومًا، يجتهد المُتابعين للحركة الأدبية في كل مكان في العالم لوضع قائمة من عشر مُرشحين يُتوقع أن الجائزة لن تخرج عنهم، وغالبًا ما يحدث ذلك ولا تخرج الجائزة من بين هؤلاء العشرة، والذين يكونون على الأرجح مُقسمين بين قارات العالم، بحيث أن كل قارة لها ترشيح اسم أو اسمين، بينما يضع العرب ترشيحاتهم الخاصة كذلك، وهنا مربط الفرس، فالعرب في كل عام عندما يُفكرون في أسماء لترشيحها من أجل الفوز بجائزة نوبل لا يُسقطون أبدًا اسم إبراهيم عبد المجيد من حساباتهم.
يعج الوطن العربي بالأدباء، ومعنى أن يتم ترشيح إبراهيم عبد المجيد لجائزة نوبل من بين كل هذا العدد الكبير فهذا يعني ببساطة أن ما تحدثنا عنه منذ البداية صحيحًا، وأن عبد المجيد يُعتبر بحق أحد أفضل الروائيين في الوطن العربي الذين لا يزالون على قيد الحياة، وربما يكون الإنصاف يحمل لعبد المجيد فوزًا بهذه الجائزة فيما هو قادم من سنوات، وإن حدث فثقوا تمامًا أنه شخص جدير بها، ثقوا تمامًا أن من فاز بها هو أفضل روائي في الوطن العري حاليًا.
التحكيم في مسابقات أدبية كثيرة
عندما تزداد خبراتك بشكلٍ كبير وتُصبح بارعًا في مجال ما فإن فكرة التنافس في هذا المجال قد تطور مع الوقت إلى التحكيم بين المتنافسين فيه، وهذا ما حدث بالضبط مع الروائي إبراهيم عبد المجيد، والذي فاز كما ذكرنا بالكثير من الجوائز، ثم جاء دوره في السنوات الخمس الأخيرة كي يُحكم بين الكتاب ويختار هو بنفسه الفائزين، وبخاصة تلك المسابقات التي تُركز على إبداع الشباب، ففي جائزة ساويرس مثلًا كان عبد المجيد حاضرًا، وكذلك جائزة إبداع التي تُنظمها وزارة الشباب والرياضة، وغيرها من المسابقات الأخرى التي يُعرف عنها إعطاء فرصة للشباب والمبدعين الجدد، وعبد المجيد من وجهة نظر المُنظمين هو الشخص الأنسب لتأدية هذا الدور.
في عام 2017 شارك إبراهيم عبد المجيد في التحكيم بجائزة إبداع التي تُنظمها الدولة لشباب المبدعين، وقد كانت هذه الجائزة تحظى بشعبية ضعيفة بعض الشيء، لكن عندما أصبح عبد المجيد أحد المُحكمين بها حظيت بشهرة كبيرة وتوافد عليها المُشاركين، وقد صرح أكثر من مشترك على خشبة المسرح أثناء مناقشة روايته أن جائزته تكمن في الوقوف أمام روائي كبير بحجم إبراهيم عبد المجيد، وهذا ما يجعلنا مُصرين على أنه الأفضل حاليًا بين كل الكتاب العرب، الأفضل بالنسبة للجيلين السابق والحالي، وهي معادلة من الصعب جدًا تحقيقها في الوطن العربي.
قدرة إبراهيم عبد المجيد على جذب أجيال مختلفة من القرّاء
هناك نغمة شبه سائدة هذه الأيام وهي أن القراء القدام لا يقرأون كتب الكتاب الجدد، والقراء الجدد كذلك لا يقرأون كتب الكتاب القدام، والأمر ليس على سبيل العناد أو الكره بالمناسبة، وإنما لزعم جيل القراء القدامى أنهم لا يفهمون كتابات الكتاب الشباب الذين يكونون بالنسبة لهم تافهين وغير جديرين بالاحترام، بينما الكتاب القدامى بالنسبة للقراء الجدد عميقين أكثر من اللازم ويكتبون كلامًا لا يُمكن قراءته، هذه هي وجهة النظر، لكن، ولقدرة إبراهيم عبد المجيد المُدهشة، فقد استطاع هذا الرجل الجمع بين أكثر من جيل مُختلف من أجيال القراء، وهو ليس مجرد نجاح، وإنما كذلك إعجاز لأنه ربما لم يتكرر، فحتى نجيب محفوظ يمتنع بعض القراء الجدد عن قراءة رواياته بحجة أنها غير مفهومة!
في خلال السنوات العشر الأخيرة صدر لإبراهيم عبد المجيد حوالي خمس روايات، هذه الروايات الخمس، وإذا كنا سنمضي على النمط السائد، فمن المفترض أن يمتنع القراء الجدد عن قراءتها لسبب بسيط جدًا، وهي أنها مكتوبة من قِبل أحد الكتاب القدامى، لكن كتب عبد المجيد غالبًا ما تدخل إلى قوائم الأكثر مبيعًا، وهذا يُبرهن على أنه يحظى بنسبة قراءة عالية تؤكد على ما نحاول الاتفاق عليه منذ البداية، وهو أنه أفضل الكتاب العرب حاليًا.
عدم تصدر المشهد الثقافي واستغلال الجماهيرية
إذا ما سألنا أي شخص عن مسألة تصدر الكاتب أو المُثقف بشكلٍ عام للمشهد الثقافي فسيقول بلا شك أنها تحتوي على معنيين، فقد تكون مُفيدة للكاتب والحركة الثقافية وقد تكون غير مُفيدة وتُسهم في حرق الكاتب إذا بدا مما يفعله أنه يستغل جماهيريته، والحقيقة أن عبد المجيد قد أدرك هذه الحقيقة مُبكرًا، فمنذ سنوات كان يعمل بأحد المناصب بوزارة الثقافة، ثم تركها وانعزل تمامًا عن المشهد الثقافي وتركه للمثقفين الذين فقدوا مخزونهم من الإبداع ولم يكن لديهم شيء يفعلونه سوى القفز على الحركة الثقافية وتصدر المشهد كمثقفين عظام!
عبد المجيد الآن لا يفعل شيء سوى التركيز على كتاباته، فعلى الرغم من أنه قد جاوز السبعين إلا أنه قد صرح أكثر من مرة بأنه يمتلك مشاريع ومسودات لروايات سوف تظهر قريبًا للنور وتُضاف إلى سجله الحافل بالأعمال المميزة التي تجعله بلا شك أحد أفضل الكتاب الحاليين في الوطن العربي، بل أفضلهم على الإطلاق.