في الوطن العربي، وإذا سألت شخص متابع للروايات العربية عن أفضل تلك الروايات في مجال الخيال والفانتازيا فإن الإجابة سوف تكون سريعة ومُشتملة بلا تردد على اسم رواية أرض زيكولا، إذ أن هذه الرواية، والتي صدرت على جزأين، تُعد بلا شك الرواية الأهم في السنوات السبع الأخيرة بمصر والوطن العربي بشكل عام، وهذا ما تُحدده نسبة المبيعات المرتفعة التي تجاوزت المليون نسخة، وأن تتجاوز هذه النسبة في مصر أو الوطن العربي فهو أمر رائع جدًا، وذلك لأن نسبة من يقرؤون أصلًا قليلة، وبالتالي لا يُمكن توقع بيع هذا العدد الكبير، أيضًا بالإضافة إلى أن تلك النسبة الكبيرة تعني أن هناك أضعاف لها من الكتب المزورة والمتاحة بشكل إلكتروني على الإنترنت، أي أنني في النهاية نتحدث عن عدد قراء ضخم لهذه الرواية، فلماذا يا تُرى نجحت أرض زيكولا بالذات في تحقيق هذا النجاح الساحق؟ هذا هو السؤال الذي سنحاول الإجابة عليه سويًا في السطور القليلة المُقبلة.
تطرق الرواية إلى نوع جديد في الأدب العربي
السبب الأول البديهي ذكره ضمن أسباب النجاح الطاغي الذي حظيت به رواية أرض زيكولا أن هذه الرواية في الأصل قد تطرقت إلى أرض جديدة ومُختلفة لم يتم تناولها بكثرة من قبل في الأدب العربي، وهي أرض الفانتازيا والخيال، فنحن بالطبع نمتلك روايات كثيرة تتعلق بالخيال العلمي يكتبها أدباء عظماء مثل أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق، لكن الفانتازيا شيء آخر مُختلف، حيث أنها مُتعلقة بأمور غرائبية في المقام الأول، وهو أمر قد وجدناه من قبل في روايات وأفلام عالمية مثل مملكة الخواتم وهاري بوتر، تلك الروايات التي أثرت في ذهن المتلقي العربي وجعلته مُهتم بتلقي جرعة عربية من هذا الفن النادر، وهو الأمر الذي كان موجودًا بالفعل في رواية أرض زيكولا.
فكرة رواية أرض زيكولا تدور حول شاب يائس بائس يُضطر إلى المرور بأحد السراديب التي تقوده إلى أرض خيالية يتواجد فيها أشخاص يتعاملون بوحدة غريبة بعض الشيء، لن نحرق لكم الرواية لكن ربما يكون من النادر جدًا أن يُمسك شخص بهذه الرواية ثم يُقرر أنه لن ينتهي منها، أصلًا هو لن يكون قادرًا على فعل ذلك لأن الرواية ستجذبه وتُدخله بشدة في عالمها، ذلك العالم الساحر المُبهر الذي كان سببًا آخر من أسباب النجاح.
وجود فكرة ساحرة مثل مبادلة الأموال بالذكاء
أيضًا من ضمن الأسباب التي أدت إلى نجاح ثنائية أرض زيكولا أنها تناولت فكرة ساحرة وغير مُتطرق لها من قبل، وهي فكرة مبادلة الأموال بالذكاء، تلك الفكرة التي ربما لم يتم التحدث عنها في أي عمل فني من قبل، سواء كان عمل مرئي أم مطبوع، إضافة إلى أن القصة من البداية تُعد واحدة من القصص التي من النادر سماعها دون الانجذاب لها بكل الطرق المتاحة، ففي داخل أرض زيكولا التي سيدخل البطل، والتي جاء عنوان الرواية متطابقًا معها، سنجد أن كل شيء موجود في هذه الأرض يبدو ساحرًا منذ الوهلة الأولى، بدايةً من القوانين وفكرة تبادل العملة مرورًا بالناس وكيفية تعايشهم سويًا وانتهاءً باليوم الذي يتم فيه ذبح الشخص الأقل ذكاءً بين الجميع، كل التفاصيل في هذه الرواية مبهرة كما ذكرنا.
فكرة مبادلة الأموال بالذكاء كانت فكرة عبقرية كما ذكرنا، وقد خرج فيلم أجنبي بعد صدور الرواية بعامين يتحدث عن فكرة مُشابهة، وهي مبادلة الأموال بالوقت، بمعنى أن البشر يدفعون من أعمارهم بدلًا من الدفع من أموالهم أو ذكائهم مثلما هو الحال مع الرواية، عمومًا، اتهم البعض سرقة الرواية من الفيلم لكن اتضح فيما بعد أن تاريخ صدور الرواية يسبق تاريخ صدور الفيلم، وهذا يعني أنه إن كان ثمة سرقة فإنهم من جانب صناع الفيلم وليس كاتب الرواية.
اعتماد كاتب أرض زيكولا على الأسلوب الجاذب والتشويق
كذلك لا يسعنا أن نغفل حق الكاتب في هذا العمل المُبدع، فلو كان الأمر يتعلق بالفكرة فقط فإن الكثير من الروايات في التاريخ كانت تعتمد بشكلٍ كبير على الفكرة وتمتلك بالفعل فكرة ساحرة ومُدهشة، لكنها مع ذلك لم تلقى نفس الصدى والنجاح الذي تلقته رواية أرض زيكولا، وهذا ما يُثبت أنه كان ثمة عامل آخر ساعد في هذا النجاح، وهذا العامل ببساطة هو أسلوب الكاتب، فالروايات لا تكتب نفسها، وإنما يكون هناك شخص قادر فعلًا على الكتابة وإخراج ذلك الإلهام الذي يأتيه في أفضل صورة ممكنة، وإذا كان الكاتب غير قادر على الكتابة فسوف يكون من غير المحتمل خروج عمل قوي، لكن هذا الأمر لم يحدث في رواية أرض زيكولا، وهذا يدل أنها قد امتلكت تلك الحلقة المفقودة، الكاتب الجيد.
أسلوب الكاتب اعتمد على الشيء الذي ينفع بشدة مع البشر وطبيعتهم، التشويق، فعنصر مثل هذا إذا داخل في عملٍ أدبي أو سينمائي فإنه من الممكن جدًا أن يتغاضى القارئ عن أي تقصير يتعلق بالحبكة أو اللغة، فما سيجذبه في المقام الأول هو الأسلوب، وهذا ما توافر من قِبل كاتب الرواية عمرو عبد الحميد، والذي يعمل بالمناسبة طبيب بشري، أي أن من يعرف مجال عمل لا يُمكن أن يتوقع أبدًا خروج هذه التحفة الفنية منه.
إعادة طباعة الرواية من قِبل دار نشر ذات شعبية كبيرة
على الرغم من أن الرواية قد طُبعت لأول مرة في عام 2010 إلا أنها لم تُحقق أي نجاح يُذكر، بل إن الطبعة الأولى منها لم تنفذ، كانت مجرد رواية من آلاف الروايات الأخرى التي يكون مصيرها في النهاية النسيان والضياع، لكن في عام 2015 حدث ما يُمكن تسميته بعملية إعادة إحياء للرواية، وذلك عندما قامت دار عصير الكتب للنشر والتوزيع بإعادة طبعها مرة أخرى، وهذه المرة أعادت تنسيقها ومنحتها غلافًا جديدًا، والجيد في هذه التجربة أن تلك الدار أيضًا كانت تخوض أولى تجاربها كذلك في مجال النشر، لكنها كانت تستند على قاعدة جماهيرية كبيرة قامت بتكوينها من خلال الجروب الذي أنشأته على الفيس بوك، مما ساعدها على الوصول لشريحة كبيرة للغاية من القراء والمُحبين.
ظلت الرواية في السنوات الخمس الأولى لا تتجاوز مبيعاتها الألف نسخة، لكن مع دار عصير الكتب، وفي خلال عام واحد فقط، تم طبع ما يقترب من المئة ألف نسخة، وهو رقم مهول يدل حقًا على تأثير دار النشر في العملية الثقافية، ويبرهن كذلك على أن عصير الكتب كانت واحدة من أهم أسباب نجاح هذه الثنائية الفريدة وانتشارها في كل مكان بالوطن العربي، بل والعالم بأكمله دون أدنى مبالغة.
وجود جزء ثاني لها بنفس القوة والتشويق
ما يُميز أي شيء قوي مهما كانت درجة قوته أنه يمتلك حقًا القدرة على الاستمرار في حالة القوة هذه، وإذا طبقنا هذا الأمر على رواية أرض زيكولا فسنجد أن الكاتب قد منح الرواية سببًا حقيقيًا من أجل الاستمرار على نفس حالتها من القوة، إذ أنه قد أصدر الجزء الثاني من العمل، والذي حمل اسم أماريتا، بنفس قوة الجزء الأول وبنفس المقدار من التشويق، وقد كان هذا الجزء بالطبع استكمالًا للأحداث السابقة والتي انتهت بهروب بطل العمل من هذه الأرض في يوم إعلان إعدامه، عمومًا، الموضوع لا يتعلق بالأحداث بقدر ما يتعلق بقوة الكاتب وقدرته على الاستمرار في نفس الخيط دون أي فتور، ودون أي يتسبب ذلك في ملل للقارئ، فطبيعة الأعمال التي تحمل جزء ثانٍ أنها تكون ناجحة، وفي أرض زيكولا حافظ الكاتب على هذه الطبيعة.
الجزء الثاني عندما صدر في يناير 2016 كان الجزء الأول قد تخمر تمامًا في أذهان القراء، بمعنى أنهم قد استقبلوه واستوعبوا الأحداث جيدًا وباتوا منتظرين بشغف لما هو من المفترض حدوثه في الجزء الثاني من العمل، وبصورة بديهية كان هذا الأمر سببًا مباشرًا في نجاح هذا الجزء مثل سابقه، فالناس لا يقولون عن العملين أنهما جزأين منفصلين، وإنما يعتبرونهما عمل واحد مُتكامل، وهذه هي الحقيقة التي سيدركها كل من قرأ العمل بالفعل.
مخاطبة رواية أرض زيكولا لفئة المراهقين
طبعًا كلنا نعرف أن الفئة الأكثر في مصر والوطن العربي، بل والعالم بأكمله، هي فئة المراهقين، وهذا يعني ببساطة أننا عندما نريد قياس نجاح شيء ما يجب علينا الرجوع إلى هذه الفئة ومعرفة صدى هذا الشيء معهما، وإذا طبقنا هذه النظرية على رواية أرض زيكولا فسنجد أنها قد انتشرت في هذه الفئة كانتشار النار في الهشيم، فتقريبًا ثمانين بالمئة من القراء الذين يتراوح أعمارهم بين الخامسة عشر والعشرين سنة قد قرأوا هذه الرواية أو على الأقل قد سمعوا بها من زملائهم وعرفوا أنها جديرة بالقراءة، وبالتالي وضعوها ضمن خريطة القراءة المُحتملة لهم، في النهاية اكتساح هذه الرواية لفئة المراهقين أمر لا خلاف عليه أو على أهميته في نجاح الرواية وتحقيقها هذا الانتشار الكبير.
بعض النقاد يرون أن فئة المراهقين هذه فئة لا يعول عليها، صحيح أنها فئة كبيرة جدًا وتصنع الفارق، لكنها لا تُشكل فكرًا حقيقيًا ولا تُعد مقياسًا للأعمال الجادة التي تستحق التخليد، بمعنى أن تشبث هذه الفئة برواية من الروايات وإصرارها على أفضلية هذه الرواية لا يعني بالضرورة أنها جيدة، بل يُمكن أن يُعتبر هذا مؤشرًا على العكس تمامًا، عمومًا، أرض زيكولا خارج هذه النظرية لأن القراء لها ليسوا المراهقين فقط، وإن كانوا الفئة الأهم طبعًا.
ظهور الرواية في توقيت الربيع العربي
ذكرنا من قبل أن رواية أرض زيكولا قد ظهرت في نهاية عام 2010، أي تقريبًا مع بداية ما يُعرف بالربيع العربي، وقد يعتقد البعض أن الأمر ليس له أي علاقة بهذا النجاح الكبير للرواية إلا أن العلاقة في الحقيقة كبيرة جدًا، إذ أنه بعد هذا التوقيت بدأت حركة القراءة تزدهر في العالم العربي بأكمله، وخاض غالبية الشباب خطواتهم الأولى في عالم القراءة، وبشكل خاص الروايات، والتي كانوا لا يعرفونها أصلًا قبل هذا التوقيت، لكن الثورة جاءت حاملة معها الانفتاح.
مثلما حدث الانفتاح على السياسة والإعلام فإنه قد حدث كذلك على القراءة، بل والكتابة، فهناك جيل كامل من الكتاب ظهر في هذا التوقيت ويُطلق عليه لقب جيل الثورة، عمومًا، تأثرت الحركة الثقافية بأكملها، وظهر رعيل من المُثقفين استفادت منه بعض الروايات الموجودة في هذا التوقيت، وعلى رأس هذه الروايات طبعًا أرض زيكولا .