تحلل الجسم هو عملية يتم خلالها تجزئة المادة العضوية إلى أشكال أبسط، والتي ينتج عنها في النهاية فناء الجسم بصفة نهائية، ومنذ بدأ الخليقة انشغل الإنسان بما يحدث بعد الموت، وأثيرت الكثير من الفرضيات والنظريات حول ذلك الأمر، أغلبها كان يتسم بالشطط والابتعاد عن المنطق، جاء مستنداً على الاعتقادات الدينية الوثنية الشائعة بتلك الحقب الزمنية، وفي العصور الحديثة قام العلماء بتناول تحلل الجسم بالبحث، بهدف التوصل إلى الأسباب التي تقود إليه، والتعرف على التغيرات التي تطرأ على الجسم بعد الموت.. فإلى ماذا أوصلتهم تلك الأبحاث والدراسات.
أسباب ومراحل تحلل الجسم :
لا يوجد سبب واحد أو رئيسي يؤدي لـ تحلل الجسم ،فذلك يتم من خلال مجموعة من المراحل المتعاقبة، كل منها لها أسباب مغايرة للأخريات، وكذلك كل مرحلة تحدث تغيرات معينة بطبيعة الجثمان، وتُنتج تأثيرات مختلفة، جميعها في النهاية تقود لإحداث عملية تحلل الجسم ،أي أن التعرف على أسباب التحلل لا يمكن أن يتم إلا باستعراض مراحله، وهي كالآتي:
برودة الموت :
أول المراحل التي يمر بها تحلل الجسم فور الوفاة، هي مرحلة تعرف بمسمى برودة الموت أو Algor mortis، والتي تبدأ خلال الساعة الأولى من الموت، بانخفاض معدل حرارة الجسم بمقدار 2 درجة المئوية، ويظل معدل درجة الحرارة في التناقص بمعدل درجة واحدة لكل ساعة، حتى تتماثل درجة الحرارة بالجسم مع حرارة البيئة المحيطة به.
مرحلة الطازج :
إحدى المراحل الأولى التي يمر بها تحلل الجسم ،وتعرف في اللغة الإنجليزية بالمصطلح ذو نفس المدلول “Fresh”، وتجرى هذه المرحلة فور توقف عضلة القلب، حيث أن توقف النبضات ينتج عنه توقف ضخ الدم إلى أعضاء الجسم، والتأثير الظاهري الناتج عن هذه المرحلة من مراحل تحلل الجسم ،هو تبدل لونه إلى درجة من اللون الأزرق، وذلك يتم خلال فترة تتراوح ما بين 3 : 6 ساعات من حدوث الوفاة.
تصلب العضلات :
نتيجة لمرور الجسم بمرحلة الطازج ضمن مراحل تحلل الجسم ،وتوقف عضلة القلب عن تغذية خلايا الجسم بالدماء، تحدث العديد من التغيرات الكيميائية بالأنسجة المكونة للعضلات، ونتيجة لذلك تصاب العضلات بحالة من التيبس والتصلب، وتعرف تلك المرحلة من مراحل تحلل الأجسام باسم الصمل الموتي، وبالإنجليزية هي rigor mortis، وتزداد حالة الصلابة تدريجياً في كل ساعة، وتصل العضلات إلى أقصى درجات الصلابة في غضون 12 ساعة، ثم تُحل تلك الصلابة مرة أخرى بشكل تدريجي، خلال فترة تتراوح ما بين 48 إلى 60 ساعة تقريباً.
الانحلال الذاتي :
الانحلال يأتي بالترتيب الخامس ضمن مراحل تحلل الجسم ،لكنه يعتبر المرحلة الأولى على طريق التحلل الفعلي، وتلك المرحلة تنتج أيضاً عن التغيرات الكيميائية التي تطرأ بعد الوفاة، وينتج عنها ارتفاع درجة الحموضة داخل الجسم، وتبدأ الخلايا المكونة له في التحلل بشكل تدريجي، وذلك من خلال اضطراب عمل الأنزيمات الخاصة بها، وتلك المرحلة على الرغم من إنها مرحلة محورية، إلا أنها لا تأتي مصحوبة بأي دلالات ظاهرية صريحة، بخلاف ظهور بعض البثورة على طبقة الجلد السطحية، وتلك العملية تسمى بالانحلال الذاتي للخلايا أو Autolysis.
إنتاج الأحماض العضوية :
ثاني مراحل تحلل الجسم المؤدية إلى حدوث التحلل الفعلي، والتي يبدأ خلالها عمل الكائنات الحية الهوائية بالجسم البشري، فتقوم باستنزاف الأوكسجين في زمن قياسي، بهدف خلق بيئة مثالية تسهل على تلك الكائنات إتمام عملية التكاثر، وتلك الكائنات تنشأ في الأساس داخل الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، وتقوم تلك الكائنات بعمل تغيرات بالكربوهيدرات والدهون والبروتين، ونتيجة لذلك يتم إنتاج الأحماض العضوية داخل الجسم، وتلك الأحماض تنقسم إلى :
- حامض البروبيونيك
- حامض اللبنيك
- غاز الميثان
- الأمونيا
- كبريتيد الهيدروجين
وخلال تلك المرحلة من مراحل تحلل الجسم وتعفنه، تجد الحشرات مواقع مناسبة لتضع داخلها بيضها، وبالتالي تتكاثر وتتضاعف وتنتشر بالجسم، وتلك الحشرات تعرف بمسمي ذباب اللحم.
الانتفاخ :
أبرز المراحل المؤدية إلى تحلل الجسم هي الانتفاخ، والذي ينتج أساساً عن تراكم الغازات داخل الجسم، وبصفة خاصة غاز الميثان وغاز ثاني أكسيد الكربون وكذلك كبريتيد الهيدروجين، وذلك يتم ترتيباً على حدوث عملية التمثيل الغذائي الهوائي، ويتركز الانتفاخ في محيط منطقة البطن، باعتبارها التجويف الأوسع حجماً واتساعاً للغازات، وكذلك الجثة بصفة عامة تكون منتفخة ولكن بقدر أقل.
خروج الإفرازات :
تأتي هذه المرحلة كنتيجة مباشرة لحدوث المرحلة سابقتها، فنتيجة لتراكم الغازات داخل تجويف الجسم بمرحلة الانتفاخ، حيث يعد ذلك سبباً في تزبد الخلايا وإنتاج السوائل الجسمية، وفي ذات الوقت الضغط الذي يشكله الغاز على جوانب الجسم، يعمل على دفع تلك السوائل إلى خارجه، فتتسرب عبر مختلف الفتحات الطبيعية المتواجدة به، مثل منخاري الأنف والفم والأذنين وفتحة الشرج، وذلك هو التسلسل الطبيعي والمفترض لـ تحلل الجسم ،لكن في بعض الحالات الاستثنائية لا يتم خروج الإفرازات، إذ أن الضغط الغازي على جدران الجسم المختلف، تفقد خلايا الجلد قدرتها على التماسك فتنفجر وتتمزق.
تراكم الديدان :
مركبات الهيموجلوبين بالجسم تتحول إلى مجموعة أصباغ ملونة، وهذا بفعل التغيرات الكيميائية التي تحدثها البكتيريا المعوية، وتلك الأصباغ تنتقل لكافة أجزاء الجثة، وذلك بفعل النظام اللمفاوي والدور الدموية، فيصير لون الجثة أكثر ميلاً إلى الدرجات الداكنة، ومن ثم تبدأ الديدان في الفقس بالجسم، والتي تنشط خلال فترة وجيزة، ومن ثم تتخذ من أنسجة الجسم مصدراً للغذاء، ونتيجة لذلك يحدث انفصال للجلد والشعر، ومع الوقت يحدث تهتك وانفصال تام لطبقة الجلد، الأمر الذي يسهل من عملية دخول الأكسجين إلى جوف الجثة، الذي يشكل بيئة مناسبة بالنسبة للديدان الطائرة والكائنات الدقيقة، التي تتخذ هي الأخرى من أنسجة الجثة غذاءً لها.
الاضمحلال النشط :
هي المرحلة التي يبدأ خلالها فناء الجسم البشري بشكل تام، وذلك لأن هذه المرحلة من بين مراحل تحلل الجسم ،يتم خلالها فقدان مساحات كبيرة من غجزاء الجثة، وذلك بسبب تكاثر الديدان المتغذية عليها بأعداد مهولة، كما يصاحب ذلك ارتفاعاً في معدلات شراهتها، وتعرف تلك المرحلة في الإنجليزية بمصطلح Active Decay، وتفقد خلالها الجثة قدر كبير من السوائل المختزنة بها، وهذه المرحلة تنتهي غالباً بهجرة الديدان للجثمان.
الاضمحلال المتقدم :
تحلل الجسم يكتمل خلال هذه المرحلة المتقدمة، حيث يتم خلالها فقدان كل ما هو متبقي من الجثة، وهذا رغم انخفاض نشاط الديدان والحشرات المتغذية عليها، إلا أن المتبقى من الجثية في الأساس يكون قليلاً، فالجزء الأكبر منها يكون قد قضي عليها خلال الاضمحلال النشط.
الجفاف :
الهيكل العظمي للإنسان هو ما يتبقى خلال تلك المرحلة، والمدة التي يستغرقها الهيكل ليفنى ويتحلل بالكامل، تتفاوت ما بين بضعة أسابيع وحتى عِدة سنوات، إذ أن تحلل العظام يتوقف على توافر مجموعة عوامل من عدمه، مثل معدل الضغط ودرجة الحرارة المحيطة، ففي المناطق الباردة والقطبية قد لا يحدث تحلل للهياكل العظمية، بينما في المناخ الاستوائي قد لا يستغرق أكثر من بضعة أسابيع.
الاستثناء من التحلل البشري :
كل قاعدة لها استثناء كما هي العادة، والاستثناء فيما يخص تحلل الأجسام يكمن بأجسام الأطفال حديثي الولادة، فجثث هؤلاء الأطفال لا تمر بمرحلتين من مراحل تحلل الجسم ،والتي تتمثل في الانحلال الذاتي للخلايا وكذا التعفن، والسبب في ذلك هو عدم تناولهم لأي نوع من الغذاء النباتي، فهناك نباتات تعرف بالنباتات الجرثومية الداخلية، ويعتبر توافرها بداخل الجسم، هو العامل الأساسي لحدوث تحلل الجسم عند الوفاة.