في موروثاتنا الشعبية يعتبر المطر أحد مظاهر الخير والرحمة من الله سبحانه وتعالى، فالماء هو سر الوجود بدونه تنعدم الحياة على وجه هذا الكوكب، لكن في بعض الأحيان يصبح المطر نقمة لا نعمة! يأتي على الأخضر واليابس ويمحى كافة مظاهر الحياة بالتدريج، تعرف هذه الظاهرة باسم الأمطار الحمضية، وهي نوع من الأمطار التي ظهرت بسبب نشاطات الإنسان المدمرة وعدم مبالاته بأي شيء سوى نفسه وفقط حتى انقلبت الطاولة عليه وأذاقته الطبيعة الأم من كأس أفعاله فبات يتجرع مرارة الآثار المدمرة التي سببها، لكن لماذا تتكون هذه الأمطار في الأساس؟ وما هي آثارها على كافة مظاهر الحياة؟ وكيف يمكن الحد منها؟
لماذا تتكون الأمطار الحمضية وما هي آثارها على الإنسان والبيئة؟!
ما هو المطر الحمضي؟
الأمطار الحمضية تتكون بشكل أساسي من حمض الكبريتيك، هذا الحمض ينتج من تفاعل ثاني أكسيد الكبريت مع الأكسجين عندما تتواجد نسب كافية من الأشعة فوق البنفسجية، ينتج عن هذا التفاعل ثالث أكسيد الكبريت الذي يتحول لمحض الكبريتيك عندما تفاعل مع بخار الماء الموجود في الهواء الجوي.
بعد ذلك تبقى ذرات الحمض الناتج عالقة في الهواء في انتظار أي فرصة لهطول المطر حتى تذوب في قطرات الماء مكونة المطر الحمضي، أما في حالات الجفاف وعدم وجود فرص لسقوط المطر تظهر في هيئة ضباب خفيف وقد تتفاعل مع بعض الغازات الأخرى الموجودة في الجو مثل النشادر مكونة كبريتات النشادر، قد تتساقط بعض الغازات الأخرى مثل أكسيد الكبريتات و حمض النيتروجين.
الجدير بالذكر أن خطورة هذه الغازات لا تقتصر فقط على الدول والأماكن التي تُنتجها، لكنها تمتد لتشمل الكثير من الدول المحيطة، وذلك نتيجة انتقالها من مكان لأخر بواسطة التيارات الهوائية، فقد وجد العلماء أن بعض الدول لديها نسبة أقل بكثير من الغازات الحمضية مقارنة بما تنتجه بينما بعض الدول الأخرى تعاني من زيادة في نسبة الغازات والأمطار الحمضية، كما أن نسبة الحموضة بها تتزايد مع الوقت وبالتالي تصبح الأمطار أشد خطراً وضراوة، فقد وصلت النسبة في بعض الدول إلى حد يفوق حموضة الخل والليمون وأسيد البطاريات!
مصادر الغازات الملوثة للبيئة
تنتج هذه الغازات بشكل أساسي من عمليات احتراق الوقود ودخان المصانع وغيرها من الأنشطة التي استحدثها الإنسان وأدخلها على البيئة ومنها ما يلي:
- تشكل نسبة الغازات المنطلقة من عمليات احتراق الوقود الحفري سواء بسبب عمليات صناعة النشادر أو الحديد والصلب والنفط وغيرها حوالي 32% من نسبة الغازات الموجودة بالجو.
- نسبة الغازات الناتجة من عمليات احتراق وقود السيارات ووسائل المواصلات المختلفة تشكل نحو 43% من الغازات الحمضية.
- هذا بالإضافة إلى 10% ناتجة من عمليات وكوارث طبيعية مثل الانفجارات البركانية وتحلل الكائنات الحية.
- أما النسبة الباقية فتتوزع بين عمليات الاحتراق الحرارية الأخرى التي يقوم بها الإنسان على مدار يومه.
الآثار الجانبية للأمطار الحمضية
تمتد أضرار الأمطار الحمضية لتشمل كافة جوانب الحياة سواء البحرية أو الحيوانية أو البشرية كما يلي:
-
البيئة البحرية
يصل المطر الحمضي للأنهار والبحيرات والمحيطات عن طريق السيول التي تجرف معها العديد من الملوثات الأخرى كالزئبق والرصاص والألمنيوم، هذه المركبات تؤثر على توازن المياه الحمضي، فالدرجة الطبيعية لها والتي تسمح للكائنات الحية بالعيش في سلام تتراوح بين 5 إلى 6 درجات، لكن عند وصول هذه المركبات إليها ترتفع نسبة الحموضة بالتالي تتضرر الحياة البحرية كثيراً، حيث تقل قدرة الأسماك على استخلاص الأكسجين المذاب في الماء بسبب تكون الزوائد المخاطية على خياشيمها، كما تتسبب في قتل البويضات والأسماك الصغيرة الأمر الذي أدى لانقراض الكثير من السلالات السمكية كما تأثرت العديد من أنواع الطيور المائية التي تتغذى على هذه الأسماك.
-
الحياة النباتية
تؤثر الأمطار الحمضية بشكل مباشر على مدى التوازن البكتيري للتربة فتؤدي لقتل الكائنات الدقيقة ما يُحدِث خلل كبير في التخلص من البقايا النباتية فباتت تشكل طبقة سميكة تحول دون وصول المياه لجذور النبات، هذا بالإضافة لتأثيرها السلبي على جذور النباتات ومنعها من امتصاص غذائها بشكل سليم، أما على الجانب الأخر تتفاعل هذه الأمطار مع أوراق النباتات فتؤدي لسقوطها بشكل مبكر وبالتالي جفاف النبات وموته دون أن يعطي أي محصول.
-
الحياة الحيوانية
أدت الأمطار الحمضية إلى موت الكثير من السلالات الحيوانية حتى باتت مهددة بالانقراض، وذلك بسبب تأثيرها المباشر على غذائها، فعلى سبيل المثال أثرت الأمطار على حياة القوارض فأدت لهجرتها من أوطانها وموتها بأعداد كبيرة وبالتالي تأثرت الحيوانات التي تتغذى عليها، كذلك بالنسبة للحيوانات العاشبة عند تناولها لنباتات ملوثة بمركبات سامة تتأثر بشدة فتموت الأجنة وتتشوه في بطونها وتنفق صغارها وتضطر لترك بيئتها الطبيعية بحثاً عن مكان آخر بعيد عن التلوث.
-
الحياة البشرية
في خمسينيات القرن الماضي تسببت تلك الغازات في موت حوالي 4000 شخص عندما خيم الضباب على مدينة لندن لمدة ثلاثة أيام! هذه الغازات تنتشر في الجو نتيجة التفاعلات الكيميائية فتساعد الأشعة فوق البنفسجية وحرارة الشمس على حدوث تفاعلات كيميائية فيما بينها، تسبب نواتج التفاعل التهابات في الأغشية المخاطية بالإضافة لحالات ربو وأزمات صدرية وينتهي الأمر بالاختناق! لكن رغم خطورة الموقف لا يعتبر هذا هو التأثير الوحيد للأمطار الحمضية على الإنسان، فعند تناول أي من الخضروات أو الأسماك أو المواد الحيوانية الملوثة ببقايا الأمطار تترسب هذه المواد في الجسم فتؤدي لحدوث أضرار كبيرة على المدى البعيد منها أمراض القلب والسرطانات المختلفة.
الحد من آثار الأمطار الحمضية
هناك العديد من الجهود الدولية الحالية لمواجهة هذه الأزمة والحد من خطورتها، كما يلي:
- قامت الولايات المتحدة وكندا بتوقيع اتفاقية للحد من الانبعاثات الغازية الناتجة من العمليات الصناعية عام 1991.
- نشر التوعية بين الناس وحثهم على تقليل استخدام أجهزة التدفئة والتبريد قدر الإمكان للحد من انبعاث الغازات.
- محاولة توفير وسائل نقل عام صديقة للبيئة لتقليل استخدام السيارات الخاصة وبالتالي الحد من احتراق الوقود وما ينتج عنه.
- البحث عن مصادر أخرى للطاقة المتجددة مثل طاقة الشمس والرياح بدل استخدام الوقود الحفري.