أوراق الدولار والتي تمثل العملة الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية، تستمد قوتها من قوة وصلابة الاقتصاد الأمريكي، وهذا أمر واقع لا نملك سوى التسليم به، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الإدارة الأمريكية الحاكمة، والإصدار الأول لـ أوراق الدولار في عام 1792م، والدولار الأمريكي يُميز اختصاراً بـ”USD” ويعرف بالرمز “$”، أما عن مكانة وقوة أوراق الدولار بالأسواق العالمية، فيكفي القول بأنها صمدت أمام العديد من الأزمات الطاحنة؛ فقد واجه الدولار قرابة 40 أزمة، أشهرها انهيار قيمة التداول الخاصة به في 2007/ 2008، لكنه في كل مرة ما يلبث حتى يستعيد قوته وهيمنته مرة أخرى، وهو العملة الأكثر طلباً للشراء في أسواق المال والبورصة، كذلك سعر معدن الذهب العالمي يرتبط بسعر تداول الدولار صعوداً وهبوطاً.. من المفترض أن كل ورقة مطبوعة من أوراق الدولار ،مغطاه بما يعادل قيمتها ذهباً مودع بالبنك المركزي، إلا أنه يشاع أن الحكومة الأمريكية توقفت عن ذلك منذ آمد، وإنها قد قامت برفع الغطاء الذهبي عن الدولار منذ 1973م، بعد الأزمة التي نشبت بين الجانب الأمريكي والرئيس الفرنسي شارل ديجول، حين طالب باستبدال الاحتياطي لديه من دولارات بما يساويها من الذهب.
الصور على أوراق الدولار ومكانة أصحابها :
تصدر أوراق الدولار بسبع فئات مختلفة، تحمل صور لسبعة وجوه مختلفة، تتميز بها كل فئة عن الفئة الأخرى، فمن يكونوا هؤلاء الأشخاص؟، وما المكانة التي يمثلونها بالنسبة للشعب الأمريكي؟
أولاً : الأسباب :
كافة الشعوب يحتوي تاريخها على عشرات وربما مئات الشخصيات المؤثرة، والتي ساهمت بفاعلية في تأسيس أوطانها والارتقاء بها، ولكن من بين كافة الشخصيات في التاريخ الأمريكي، هناك سبعة فقط تم اختيارهم ليتصدروا أوراق الدولار ،وقبل التطرق إلى أصحاب تلك الصور وإسهاماتهم، علينا التعرف على الهدف من وضع صور الشخصيات على العملات الرسمية للدول.
التخليد :
منذ أن تم إلغاء التعامل بأنظمة المقايضة، وتم الاستعادة عنها بابتكار النقود والاعتماد عليها في التعاملات، حرص الملوك على نقش صورهم على العملات عند دكها، كنوع من التخليد لذكراهم، ومع مرور الوقت وتعاقب الأزمنة وابتكار العملات الورقية وتعدد الفئات، لم يعد الحُكام المعاصرين يدكون العملات بأسمائهم أو صورهم، بل باتت تُميز بوضع رسومات ونقوش تعبر عن الدولة التي تصدرها، أو لتخليد رموزها والشخصيات المؤثرة في تاريخها، باعتبار العملات الرسمية للدول وثيقة وطنية، تعبر عن استقلال الدولة وسيادتها.. وهذا هو الحال مع أوراق الدولار الأمريكي ، ويعتبر هذا تفسير كيف تتميز فئاته المختلفة عن بعضها بوجوه لشخصيات متعددة، فوجود صور هؤلاء الشخصيات على أوراق الدولار ،يعد نوعا من التوقير والتخليد لذكراهم، واعتراف بأهمية الدور الذي لعبوه في تاريخ هذه الدولة.
التأريخ :
العملات بشكل عام من وسائل حفظ التاريخ، وإذا كنت تحمل بجيبك أوراق الدولار الأمريكي من مختلف الفئات، فإنك بذلك تحمل التاريخ الأمريكي كاملاً بيديك، فمصممي أوراق الدولار الأمريكي المختلفة، حرصوا على أن تحمل صوراً للشخصيات الأكثر تأثيراً بالتاريخ الأمريكي، وحرصوا على أن تكون تلك الشخصيات متعددة ومتنوعة، تعبر عن مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها البلاد، وجميعهم لعبوا دوراً بارزاً في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، وإسهاماتهم كانت بمثابة نقاط تحول فاصلة في تاريخها، مما يعني أن تلك الوجوه على أوراق الدولار لا تعبر عن شخصيات بقدر ما تعبر عن أحداث.
الامتنان والاعتزاز :
منذ فجر التاريخ عني الإنسان بالتعبير عن امتنانه وتقديره للشخصيات، من خلال إقامة التماثيل التي تجسدهم، والحضارات القديمة زاخرة بالشواهد على ذلك، وخاصة الحضارة المصرية واليونانية القديمتين، ومع ابتكار نظام التعامل النقدي وصك العملات، وجد الإنسان ثمة تشابه بينها وبين إقامة النصب التذكارية، حيث إنها قد تكون وسيلة للتعبير عن الامتنان والاعتزاز بشخص ما، من خلال وضع صورته على فئة من فئات العملة الرسمية للدولة، وهذا هو ما جرى مع أوراق الدولار منذ ظهورها الأول، عندما تم استغلالها في تصوير الأشخاص الذين غيروا مجرى التاريخ، كنوع من العرفان بالجميل والتعبير عن الامتنان لهم، على ما بذلوه من مجهودات لخدمة الوطن والارتقاء به..
ثانياً : من هؤلاء الشخصيات ؟
بعد استعراض التي تدفع الحكومات لوضع صور الشخصيات على العملة، والشخصيات المرسومة على أوراق الدولار بصفة خاصة، فالسؤال الذي يفرض نفسه، هو ما الأعمال التي قام بها هؤلاء الأشخاص؟، والتي أهلتهم ليتصدروا فئات أوراق الدولار الأمريكي المختلفة، وليخلد ذكرهم بواسطتها وعليها.
أ) جورج واشنطن :
أوراق الدولار من فئة واحد دولار من نصيب جورج واشنطن، قائد الحركة التمردية المنادية باستقلال الولايات المتحدة، وقائد الحرب الأمريكية الثورية على الاحتلال البريطاني، وهو أول ما قام باستحداث منصب الرئيس بالولايات المتحدة، وكذلك هو الرئيس الأول لها بعد إعلان استقلالها، بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية بالإجماع في 1788م، ومن أهم أعماله ترسيخه لمبدأ التبادل السلمي للسلطة.
ب) توماس جيفرسون :
هو وزير الخارجية الأول للولايات المتحدة الأمريكية بعد الاستقلال، وفي زمن الاحتلال البريطاني كان مناضلاً داعياً للاستقلال، وهو الذي كتب بيان استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، وهو ثالث من تولى منصب الرئاسة بالولايات المتحدة، وفي عهده اتسعت رقعة البلاد وتضاعفت مرتين تقريباً، وبسبب إسهاماته في المجال الثقافي يعتبر من رواد التنوير، وتخليداً لذكراه وضعت صورته على أوراق الدولار من فئة 2 دولار.
جـ) أبراهام لينكون :
نصب تذكارية وأفلام السينما و أوراق الدولار من فئة 5 دولارات، وتقريباً كل أشكال التخليد والامتنان استخدمت مع هذا الرجل، وهو السادس عشر ضمن قائمة رؤساء الولايات المتحدة، فقد تمكن لينكون من الحفاظ على وحدة البلاد في ظل الحروب الأهلية، كما أن أفكاره وسياسته كانت داعمة لمبدأ المساواة ومحاربة الرق والعبودية، وفي نهاية فترة ولايته الرئاسية، كان قد تمكن من القضاء على الرق بأمريكا بنسبة كبيرة.
د) ألكساندر هاملتون :
أوراق الدولار بقيمة 10 دولارات، هي من نصيب رجل الاقتصاد ألكساندر هاملتون، وهو صاحب فكرة إنشاء أول مصرف أمريكي مركزي، والذي يعرف حالياً بالمجلس الاحتياطي الاتحادي، ويعده المؤرخون المؤسس الأول للنظام الاقتصادي الأمريكي، وهاملتون هو أول من تولى منصب وزير الخزانة في أعقاب الاستقلال.
هـ) آندرو جاكسون :
آندرو جاكسون هو السابع ضمن رؤساء الولايات المتحدة، وصورته مطبوعة على أوراق الدولار من فئة 20 دولار، وهو ذو خلفية عسكرية، وشارك في العديد من المعارك التي دارت على الأراضي الأيرلندية، ما بين الجيش الأمريكي والجيش البريطاني، ولهذا هو يعتبر بطل قومي في نظر الشعب الأمريكي، وأهم إسهاماته السياسية تتمثل في إقراره مبدأ العدالة الاجتماعية.
و) يوليسيس جرانت :
هو صاحب الوجه على أوراق الدولار من فئة الـ50، وهو الحاكم الثامن عشر للولايات المتحدة، إلا أن مكانته لدى الشعب الأمريكي لا يستمدها من منصبه، بل أنه في نظرهم يعد أحد أبرز الأبطال القوميين، وذلك لما بذله من جهود كقائد عسكري، خلال الحرب الأهلية في عهد أبراهام لينكون، والتي كادت أن تودي بالبلاد إلى الانقسام والتفتت.
ي) بنجامين فرانكلين :
من بين كافة الوجوه المتصدرة أوراق الدولار ،ذلك الرجل هو الأشهر لاحتلاله ورقة الـ100 دولار، فرانكلين هو معارض سياسي ودبلوماسي بارز، وكذلك له العديد من الإسهامات بالمجال الثقافي ككاتب وناشر، لكنه في المقام الأول عالم فيزيائي، وهو أول من قام بمحاولات إخضاع الكهرباء لسيطرة البشر، من أجل استغلالها في الصناعات والمجالات المختلفة، كما قاد فرانكلين المفاوضات الأمريكية الفرنسية في 1775م، واختصاراً هو أبرز التنوريين المساهمين في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية.