عدوانية الأطفال هي عَرَض سلوكي شائع خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، وهو من أكثر الأمور المسببة للإزعاج بالنسبة للأبوين، فبينما هما يسعيان إلى تربية أطفالهما تربية قويمة تقوم على الدين والأخلاق، يفاجئا بالطفل يصدر أفعالاً متسمة بالعنف والعدوانية، وقد تقترن بألفاظ أو إشارات خارجة عن اللائق والمقبول، خاصة وإن الأمر قد يكون مصدراً للعديد من المواقف المحرجة أمام الأغراب، لكن في الحقيقة أن الأمر يفوق في خطورته حد الإحراج، فـ عدوانية الأطفال مشكلة سلوكية غالباً ما تكون ناجمة عن مشكلة أخرى نفسية، وفي سبيل تقويم هذا السلوك الذميم لابد أولاً من التعرف على أسبابه.
عدوانية الأطفال مرض أم عَرَض ؟
عدوانية الأطفال وميلهم إلى العنف ليست مرض بالمعنى الدارج للكلمة، فهي غالباً ما تكون أثراً ناتجاً عن أزمة نفسية يعانيها الطفل، أو قد تكون نابعة عن قصور من الآباء في التربية، ومن ذلك نستنتج أن عدوانية الأطفال ليست هي المشكلة في حد ذاتها، بل هي مؤشر قوي لوجود مشكلة أخرى يجب البحث عنها والتغلب عليها، لتقوييم ذلك السلوك السلبي الصادر عن الطفل، والقضاء عليه قبل أن يصير جزءاً أصيلاً من شخصية الطفل الآخذة في التكوين.
المقصود بـ عدوانية الأطفال :
علماء النفس يعرفون سلوك الطفل العدواني أو عدوانية الأطفال بأنها: أي من التصرفات السلبية التي تصدر عن الطفل تجاه أي من الآخرين، وتتسم هذه التصرفات بالعنف الشديد سواء كان عنفاً بدنياً أو لغوياً، وحتى الإيماءات أو الإشارات وتعبيرات الوجه غير المقبولة، جميعها تندرج ضمن السلوكيات التي تسمى بـ عدوانية الأطفال
أولاً : أسباب عدوانية الأطفال :
السلوك البشري بوجه هام سواء كان حميد أو ذميم، ما هو في الحقيقة إلى نتيجة نهائية قاد إليها سبب أو عدة أسباب، وحين تناول علماء النفس ظاهرة عنف الأطفال بالبحث، توصلوا إلى مجموعة من الأسباب التي تؤدي لتلك التغيرات السلوكية، والتي يعد تفاديها أو إصلاحها أول وأهم خطوات تقويم السلوك.
1- البيئة :
القاعدة الأولى في علم الاجتماع هي إن الإنسان يعد ابناً لبيئته، وبالتالي قد تكون البيئة سبباً في عدوانية الأطفال إذا غابت عنهم رقابة الآباء، فامتزاج الطفل مع رفقاء يتسم سلوكهم بالعنف في المدرسة أو الأندية، سيدفعه إلى مجاراتهم في أفعالهم وسلوكهم، إما بهدف ألا يكون شاذاً عنهم فيكون محط سخريتهم، أو للسبب الأدهى وهو قناعة الطفل بأن ذلك هو الصواب، وفي كلا الحالتين تصبح العدوانية -مع الوقت- جزءاً من التكوين النفسي للطفل.
2- تربية خاطئة :
بينما يُعاقب الآباء أطفالهم على السلوكيات الخاطئة، يؤكد علماء النفس على أنهم هم السبب الأول في أغلب المشكلات السلوكية للأطفال، وتعد عدوانية الأطفال إحدى السلوكيات التي قد تنتج عن التربية غير السليمة، وبينما الأديان والقيم تحث على تعليم الابناء العفو والتسامح، نجد أغلب الآباء يرسخون داخل نفوس الابناء مبدأ “العين بالعين والسن بالسن”، ومع صغر سن الطفل وجهله بالفرق بين مفهومي العدل والانتقام، يتسم سلوكه حينها بالعدوانية ويصبح عنيفاً لأتفه الأسباب، خاصة بالنسبة للذكور من الأطفال الذين تُغذى عقولهم بأن التبجح والعنف من شيم الرجال.
3- المنبوذ :
أبحاث النفس التي أجريت أكدت أن عدوانية الأطفال أكثر ظهوراً لدى الأطفال الذين يعانون من الشعور بالنبذ.. فالخطأ سمة بشرية وبالنسبة للأطفال فهو ضرورة للتعلم واكتساب الخبرات، ولكن الخطأ الأكبر لا يكون من الطفل إنما يصدر عن الكبار، متمثلاً في رد فعلهم المبالغ فيه تجاه أخطاء الأطفال السلوكية، فعقاب الأطفال ما هو إلا أداة لتقويم وتعديل سلوكياتهم السلبية، لكن بعض الآباء يفرطون في عقاب الابناء، وكأن العقاب لديهم غاية لا وسيلة!، وأسوأ طرق العقاب هي نبذ الطفل وخلق إحساس لديه بأنه غير مرغوب فيه، ففي هذه الحالة يسارع الطفل إلى الثأر لكرامته في هيئة سلوك عدواني، وإن لم يتمكن من تفريغ غضبه المختزن بداخله تجاه الأبوين رهبة منهم، فإنه سيفرغه تجاه الآخرين ممن يشعر بنديته أمامهم كالأخوة وزملاء الدراسة.
4- مؤشر لمرض :
عدوانية الأطفال ليست دائماً مجرد سلوك سلبي، فإذا أظهر الطفل إفراطاً في السلوك العنيف سواء على هيئة أفعال أو أقوال لفظية، فلابد استشارة أحد الأطباء للتأكد من أن منشوء عدوانية الأطفال ليس مرضاً آخر، فهناك أمراض عقلية مثل تشتت الذهن وفرط الحركة (ADHD)، يكون السلوك العدواني أحد الآثار الناتجة عنه والمؤشرات الدالة عليه، وفي هذه الحالة سيكون علاج السلوك جزءاً من علاج المرض ككل، وسيتطلب بجانب إجراءات تعديل السلوك علاجاً دوائياً بالعقاقير الكيميائية، وفقاً لما سينصح به الطبيب المختص بالإشراف على الحالة.
5- العجز والإحباط :
عدوانية الأطفال سجلت لها حالات كان مبعثها شعور الطفل بالعجز عن التواصل، فعلماء النفس قد لاحظوا أن جانب عدواني قد طرأ على الأطفال الذين هاجروا مع ذويهم، وذلك بسبب التغير المفاجئ للبيئة المحيطة وعجزهم عن التعبير للآخرين عما بداخلهم، نتيجة لعدم تمكنهم من اللغة الأجنبية التي يتحدث بها أهل البلاد.. كذلك شعور الطفل بالإحباط يؤدي إلى اتخاذ سلوكه طابعاً عنيفاً، يتولد نتيجة شعوره بالخزي والإحباط لفشله في إنجاز المهام المكلف بها.
6- الإحساس بالنقص :
من منا -نحن الكبار- يمكنه تحمل الإحساس بالاستحقار والانتقاص من قدره؟!.. الإجابة لا أحد، فما بالنا بالأطفال الجاهلون بالكثير من المعايير وأمور الحياة؟.. الشعور بالنقص إذا تمكن من نفس الطفل فإنه يؤثر على سلوكياته إجمالاً، و عدوانية الأطفال إحدى أهم الآثار المترتبة على ذلك الشعور بالنقص والامتهان، وأسباب الشعور بالنقص لدى الأطفال تنقسم إلى نوعين رئيسيين، النوع الأول أن يكون الطفل يعاني من عيب خلقي في إحدى حواسه كصعوبة النطق أو ضعف السمع، أو أن يكون العيب الخلقي جسماني أي عوار في أحد الأعضاء، وهذا وحده كفيله بخلق شعور بالنقص بداخله، يزيده سوءاً ما قد يسمعه من عبارات ساخرة أو متهكمة من الآخرين، أما النوع الثاني فهو يتمثل في سلوك الآخرين تجاهه وخاصة المقربين داخل الأسرة، كامتهانه وإلصاق الصفات الذميمة به باستمرار، كنعت الطفل بالغبي أو الكسول أو الكاذب.. هذه الأمور جميعها عوامل مشوهة لنفسية الطفل، وتؤدي إلى مشاعر غاضبة مكبوتة حتماً ستنفجر، وانفجارها لا يكون إلا في هيئة سلوك عنيف بدني أو لفظي.
7- حضور القدوة وغيابها :
الطفل يأتي إلى الدنيا صفحة بيضاء يسمح لأبويه بكتابة أي شيء عليها، وذلك لأنه يدأب على تقليد أبويه في كل ما يفعلانه، ولذلك دائماً ما يردد خبراء النفس نصيحة “كن ما تود أن يكون ابنك عليه”، فإذا التزم الآباء أمام الطفل بالسلوك القويم السليم سيكتسبه منهما، وإذا كانا على عكس ذلك فإنه سيكون نسخة منهما أيضاً، وبالتالي فإذا كان الأب يتسم بالسلوك العدواني العنيف فتزيد احتمالات أن يكتسب الطفل منه هذه السمة، وحالات عدوانية الأطفال الشبيهة بهذه الحالة يكون تقويمها من الأمور العسيرة، فمن الصعب وربما المستحيل إقناع الطفل بخطأ فعل يفعله من يحاول إقناعه، أما في حالة انشغال الأبوين عن الطفل وافتقاره إلى قدوة يحتذى بها، فإنه سيسارع إلى البحث عن قدوة لنفسه، ولا يمكن تحديد المعايير التي سيضعها الطفل لاختياره، فقد يكون شخصاً في إطار العائلة وقد يكون شخصية كرتونية، في كل الأحوال سيكتسب الطفل من هذه القدوة سلوكياتها، وإذا كانت تشوبها العدوانية فسيكون الطفل عدوانياً.
8- السينما والألعاب :
في إطار الحديث عن غياب القدوة الحسنة داخل الأسرة، واحتمالية توجه الطفل إلى البحث عن ضالته خارجها، وفي ظل العالم المفتوح الخارج عن السيطرة الذي نعيشه اليوم، فلابد من التحذير من وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، ويوصي علماء النفس بأهمية مراقبة المحتوى الإعلامي الذي يشاهده الطفل، فقد ذهبت بعض الأبحاث إلى تحميل السينما وزر تدني الأخلاق وانتشار العنف، وذلك باعتبارها إحدى العوامل المؤثرة على السلوكيات، خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين، ومن ثم مشاهدة الأفلام العنيفة المكدسة بمشاهد القتل والدماء، قد تكون سبباً في ظهور حالات عدوانية الأطفال وتبلد مشاعرهم، وخطر ألعاب الفيديو في هذا الصدد لا يقل عن خطورة السينما والتفاز، فهذه الألعاب التي يقضي الطفل نصف يومه أمامها لابد أن تخضع لرقابة شديدة من الأبوين، لاحتمال تضمنها محتوى دومي أو إباحي، ومن المعروف أن طبيعة الطفل تدفعه لتقليد كل ما يعجب به دون احتساب العواقب، ولذا يُفضل اتباع التعليمات المدونة على خلفية CDs تلك الألعاب، والتي من ضمنها الفئة العمرية المسموح لها بالتعامل معها.
ثانياً : نصائح تقويم السلوك :
إخراج نماذج إنسانية سوية إلى المجتمع ليس بالأمر اليسير، ولكنه في الوقت ذاته ليس بالأمر المستحيل، وحدد علماء النفس إجراءات يمكن أن تساهم في تقوييم عدوانية الأطفال ،وفي الوقت تعد عوامل وقائية تمنع انجراف الطفل إليها.
1- الأنشطة :
الطفل ما هو إلا شعلة حيوية ونشاط متوهجة، وتلك الطاقة الرهيبة المختزنة بداخلها يجب أن تجد المتنفس الصحي الذي تطلق من خلاله، فلهذا يجب التعرف على هوايات الطفل وتوجهاته والعمل على تنميتها، من خلال إشراكه بأحد الأنشطة الفنية أو الرياضية حسب ميوله، بدلاً من تفريغ هذه الشحنات في السلوكيات السلبية المختلفة.
2- بيئة صحية :
أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه الآباء هو إشراك الطفل بالنزاعات الأسرية، فذلك أكثر العوامل التي تؤثر بالسلب على الصحة النفسية للطفل، وقد يصاب بحالة من الانطواء أو الاكتئاب، وهو ما ينعكس بالضرورة على سلوكياته بشكل سلبي.
3- الرقابة :
نسبة كبيرة من السلوكيات الحسنة والسيئة التي يكتسبها الطفل تكون من خارج المنزل، ولهذا يجب على الآباء مراقبة أطفالهم والتعرف على من يخالطوهم، وتحفيزهم على توطيد العلاقات بالنماذج الإيجابية وإبعادهم عن رفقاء السوء، ومع ضرورة رقابة المحتوى الذي يشاهده الطفل عبر التلفاز، وكذا المواقع التي يتصفحها من خلال الإنترنت.
4- تجنب العنف :
الكبت لا يولد سوى الانفجار والعنف لا يولد إلا العنف، ومن هنا يجب ألا يكون عقاب الطفل بدني مبرح ولا نفسي مهين، كي لا يكون سبباً في تعرضه لأزمات نفسية تترتب عليها مشكلات سلوكية، ويعد العقاب العنيف أحد الأسباب الرئيسية لظهور عدوانية الأطفال
5- الحوار :
من بين العوامل المحافظة على الصحة النفسية للطفل هذا هو الأفضل، فعلى الآباء العمل على التقرب إلى الابناء، والتحاور معهم ومشاركتهم الأنشطة المختلفة والتعرف على ما يواجههم من مشكلات، فمن خلال هذه الحوارات يمكن توجيه التفضل وإرشاد وتنمية مهاراته وقدراته.
6- تنمية ثقته بنفسه :
تنمية ثقة الطفل بنفسه تعد بمثابة مصل مضاد للإحباطات والمشكلات النفسية، وذلك يتم بأسلوبين أولهما نظري والآخر عملي، النظري يكون في إطار التحاور مع الطفل وإرشاده إلى نقاط قوته وتفوقه، أما العملي فيتمثل في تكليفه بمهام تتناسب مع عمره وقدراته، وبالتالي يتسنى لها النجاح في إنجازها مما يزيد من ثقته في نفسه.