ثلاثية نجيب محفوظ هي واحدة من أبرز الأعمال الأدبية الخاصة بالأديب المصري العالمي بشكل خاص وأبرز الأعمال الأدبية العربية على وجه العموم، وقد تم تصنيفها أفضل رواية عربية في تاريخ الأدب العربي من قبل اتحاد الكتاب العرب، تتكون أجزاء ثلاثية من روايات بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، جميعهم يرصدون رحلة البطل الرئيسي السيد أحمد عبد الجواد وعائلته، وقد استوحى محفوظ عناوين الروايات الثلاث من أسماء شوارع رئيسية شهيرة في مدينة القاهرة عاصمة مصر وهي ذات المناطق التي عاش بها الأديب في مرحلة الطفولة، فترى ما العوامل التي أكسبت ثلاثية نجيب محفوظ تلك الدرجة من الأهمية؟
مميزات ثلاثية نجيب محفوظ :
مثلت ثلاثية نجيب محفوظ حلقة فاصلة في مسيرة الأديب العالمي، حيث جذبت أنظار النقاد الذين استقبلوها بحفاوة كبيرة ومنهم الدكتور طه حسين الذي اعتبرها العمل الأدبي العربي الأقرب إلى الكمال حسب رأيه، ومن أبرز العوامل التي ساهمت في ذلك الآتي:
التوازن في أسلوب السرد والعرض :
جاءت ثلاثية نجيب محفوظ لتمثل عملاً أدبياً متكاملاً ومتوازناً، حيث حرص نجيب محفوظ منذ الجزء الأول من هذا العمل الذي حمل عنوان بين القصرين، على الجمع بين العديد من الأنماط الأدبية مما يضمن تحقيق التوازن والمتعة معاً، وقد حقق ذلك ببراعة شديدة فلم يطغ نمطاً على الآخر.
وقد كان الناقد الكبير نجيب سرور من أوائل من انتبهوا إلى تلك الحقيقة الغائبة والتي لم يتوقف أمامها الكثيرين ممن قرأوا الثلاثية فور طرحها، وقد عاب على النقاد الآخرين عدم الانتباه إلى عنصر الكوميديا الحاضر بقوة بين صفحات ثلاثية نجيب محفوظ رغم أهميته، حيث لعبت الكوميديا دوراً بارزاً في كسر حِدة الأحداث المتلاحقة، كما أنها جاءت معبرة عن الطابع المصري الأصيل الذي يميل دائماً إلى النكات الصارخة.
رصد التاريخ المصري :
تمتزج دراسة التاريخ بالمتعة الفنية بوضوح على صفحات ثلاثية نجيب محفوظ التي حرص من خلالها على تسليط الضوء على واحدة من أهم وأبرز مراحل التاريخ المصري الحديث، وأهم ما يميز ذلك العمل الأدبي اتسامه بدرجة كبيرة من الشمولية، حيث تمكن أديب نوبل من رصد الأحداث التاريخية البارزة التي مرت على البلاد في الزمن الذي تدور به أحداث الرواية التي بدأت في 1917م، دون إغفال النتائج المترتبة على ذلك وتأثير تلك الأحداث السياسية على الأوضاع الاقتصادية والواقع الاجتماعي، والأهم أن ذلك كله قد تم بسلاسة ويسر دون الوقوع في فخ المباشرة أو التلقين.
القيمة الإنسانية قبل العقدة :
من أبرز العوامل التي ميزت ثلاثية نجيب محفوظ هو أن البناء الدرامي الخاص بها لم يعتمد على نمط العقدة، أو الصراع الصريح والعلني بين الشخصيات المختلفة، على الرغم من اعتماده عليه في أعمال أخرى عديدة مثل أولاد حارتنا أو الحرافيش وغيرهم.
ثلاثية نجيب محفوظ ركزت على بدرجة أكبر على النمط الإنساني والصراعات الداخلية والتناقضات التي تعاني منها مختلف شخصيات الرواية، وعلى وجه الخصوص الشخصيتين الرئيسيتين وهما شخصية السيد أحمد عبد الجواد وشخصية نجله كمال، الذي نتتبع على مدار أحداث الأجزاء الثلاثة رحلته الحياتية من مرحلة الطفولة وحتى مرحلة الرشد.
قضايا متنوعة ومتعددة :
استطاع الأديب العالمي نجيب محفوظ من خلال الثلاثية أن يسلط الضوء على عدد غير قليل من القضايا الاجتماعية والسياسية وأحياناً الفلسفية، ولعل أبرزها أساليب القهر والاستبداد الإنساني الذي صوره نجيب محفوظ بأشكال مختلفة ضمن فصول روايته، مثل رصده لأشكال استبداد قوات الاحتلال الإنجليزي بالشعب المصري، وكذلك استبداد السيد أحمد عبد الجواد بزوجته أمينة التي تجمع بينهما علاقة غير متجانسة أو متكافئة، كما رأى بعض النقاد أن ثلاثية نجيب محفوظ من أبرز الأعمال التي تدعم قضايا المرأة من خلال رصده لمعاناة أمينة الزوجة المسكينة المغلوبة على أمرها.