تقنية الكروما ليست من الوسائل المستحدثة في مجال صناعة الخدع البصرية، بل إن المحاولات الأولى للعمل بها بدأ في عقد الثلاثينات، من خلال تصوير مقطعي فيديو في لحظة واحدة والدمج بينهما، أحدهما لأجسام حقيقية متواجدة في موقع التصوير، والمقطع الآخر عبارة عن شاشة عرض في الخلفية، وكثر استخدام هذه التقنية في أفلام السينما آنذاك، خاصة في مشاهدة قيادة السيارات وما شابهها، ولكن مع التطور الرقمي والتكنولوجي لم تعد تقنية الكروما مجرد تقنية مساعدة، بل إنه تم تطويرها بشكل كبير حتى صارت في يومنا هذا أحد أساسيات صناعة المحتوى الإعلامي والسينمائي.
تقنية الكروما وفوائدها :
لم يعد بمقدور أي من صناع الميديا الاستغناء عن تقنية الكروما ،وذلك لما لها من فوائد عديدة، تجعل من صناعة المادة المرئية عملية أكثر يسراً وأعلى جودة، ومن أمثلة استخدامات ومزايا تقنية الكروما ما يلي:
خرائط نقية :
هل شاهدت يوماً النشرة الجوية وتعجبت من قدرة المذيع على الإشارة بدقة إلى كل موقع على الخريطة دون أن يلتفت إليها؟!.. التفسير ببساطة هو إنه لا توجد خريطة من الأساس، فلا يوجد خلفه سوى تقنية الكروما أو تلك المساحة خضراء اللون، أما الخريطة الفعلية متواجدة على شاشة عرض أمامه، ويستفاد من ذلك في جعل الصورة أكثر نقاءً، ففي الماضي حين كان يتم تصوير الشاشة خلف المذيع بواسطة الكاميرا، كنا نلاحظ وجود اهتزازات بالصورة، علاوة على إنه كان من العسير استخدام مؤثرات الخدع البصرية والجرافيك، مثل تحريك الخرائط لتوضيح المناطق الجغرافية، أو وضع أيقونات مميزة لكل حالة من حالات الطقس وخلافه.
توفير النفقات الإنتاج :
بات اليوم بإمكان منتجي السينما توفير أموالاً طائلة كانت تنفق هباءً، فالمنتج السينمائي بفضل تقنية الكروما لم يعد مضطراً لحشد الجماهير، فإن كان يصور ملعباً مكتظ بالجماهير أو تظاهرة أو جيش، فهل تتخيل كم سينفق من المال كأجور لكل هؤلاء الأشخاص؟!.. أما اليوم وبفضل تقنية الكروما بات يتم تصوير الممثلين أمام الخلفية الصماء، ثم بواسطة برامج الحاسوب يتم إضافة ملايين البشر في الخلفية، وبفضل التطور الذي شهدته صناعة السينما في السنوات الماضية، لم يعد المشاهد بمقدوره التفرقة بين الحقيقي وبين ما تمت إضافته حاسوبياً داخل مقطع الفيديو الواحد.
الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على الديكورات، فإن كان هناك مشهداً سينمائياً لمدة دقيقة يدور في مدينة نيويورك، في الماضي كان يتطلب ذلك الانتقال فعلياً إلى نيويورك، أو اللجوء لحلول بدائية تظهر المشهد في النهاية باهتاً ومشوهاً، أما اليوم بفضل تقنية الكروما تصويره في إحدى الدول العربية!.. فالأمر لا يتطلب سوى تصوير الممثلين أمام الخلفية الصماء، ثم إزالتها بعد ذلك بواسطة الجرافيك وإضافة المدينة الأخرى بكافة تفاصيلها.
بناء الاستوديوهات :
النسبة الأكبر من الاستوديوهات الكبرى الفارهة التي تشاهدها عبر التلفاز، وتتساءل بدهشة عن التكلفة الفعلية لبناء مثلها، هي في الحقيقة غير موجودة بالمرة، فبفضل تقنية الكروما أيضاً أصبحت كبرى الاستديوهات الإعلامية في العالم مصممة بتقنيات الجرافيك، وموقع التصوير لا يتوفر به سوى طاولة ومقعدين للمحاور والضيف فقط، وهذا لم يوفر في التكلفة الإنتاجية للبرامج التلفزيونية فقط، بل إن الأمر له بُعد جمالي في ذات الوقت، ففي الماضي ما كان لمخرج أي برنامج تلفزيوني أن يطمح إلى تنفيذ مثل هذه الديكورات الفارهة، أما اليوم وبفضل تقنية الكروما فأيا كان ما يجول بخياله بمقدوره تنفيذه بتكلفة تقل بنسبة كبيرة عن تكلفة تنفيذ الدكيور فعلياً.
الجانب الفني :
المخرجين وصُناع السينما والدراما هو الأسعد بـ تقنية الكروما ،فالآن صار بمقدورهم العودة بالزمن إلى الوراء بمنتهى الحرية، فإن كانت أحداث الفيلم تدور في العصور القديمة على سبيل المثال، فإن المباني والشوارع المنتمية لتلك الحقبة قد اندثرت، أو تغير شكلها كثيراً على أقل تقدير، ولكن بفضل الكروما أصبح بالإمكان استعادة روح ذلك الزمن بكافة تفاصيله وبجودة رائعة، كذلك يمكن الاعتماد على تقنية الكروما في تغيير مظهر الممثل نفسه، وهي التقنية التي اعتمد عليها المخرج جيمس كاميرون في فيلم أفاتار في تحويل الممثلين إلى تلك الهيئة الزرقاء، وكذلك اُعتمد عليها في تنفيذ فيلم TMNT، فشخصيات سلاحف النينجا الذين شاهدناهم على الشاشة، ما هم سوى أربعة ممثلين حقيقيين تم تعديل أشكالهم باستخدام الكمبيوتر