في السادس والأربعين من القرن العشرين بدأت الحرب التي أسماها العالم الحرب الباردة ، وذلك لأن كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لم يعلنوا الحرب بصورة ظاهرة، بل كانت حروب على نطاق خفي وفي أراضي أخرى مثلما يحدث الآن في سوريا، وقد استمرت هذه الحرب خمسة وأربعين عام حتى انتهت في 1991، وكانت تلك الدول في هذه الفترة تقوم بعملية تقدم صناعي وعسكري وتكنولوجي رهيب لكي تتفوق على الأخرى في النهاية، حتى أصبحوا الآن هم الأقوى في العالم أجمع وهكذا استفاد الفريقان من هذا السباق الرهيب، وكانت سياسة كل دولة منهم تجاه الأخرى هي إشعال نار الفتنة لدى العدو مع التحالف مع الدول الأخرى لتكوين جبهة عسكرية قوية، ولكن تلك السياسات قد تسببت في الكثير من المشاكل أهمها تفكك الاتحاد السوفيتي ذاته، وانتصار الحزب الشيوعي في الصين، سقوط النظام الإقليمي للدول العربية بأسرها، وغيرها من النتائج التي ظهرت بسبب الحرب الباردة، ونحن هنا سنتناول كل الأسباب التي أدت لحدوثها تفصيلًا، فتابعوا معنا.
طمع كل فريق منهم في القضاء على الأخر
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية في حلف واحد اسمه دول الحلفاء، وكانت هذه الدول بجانب فرنسا هي الأقوى عالميًا وتتحكم في كل دول العالم الأخرى، فأرادت كل دولة منهم القضاء على الأخرى لكي يتاح لها المجال في تملك زمام العالم أجمع وفرض السيطرة في كل شبر من الكون، ولذا حاولوا بشتى السبل القضاء على كل فكر يخص الدولة الأخرى، ومحاولة نشر المذاهب الشيوعية من قبل الاتحاد السوفيتي في أغلب بقاع الأرض، هذا بجانب سباق التسلح الرهيب الذي اتخذته تلك الدول وخاصة روسيا التي أهتمت بالمجال العسكري بدرجة كبيرة للغاية، فالولايات المتحدة كانت تهتم بجميع المجالات الخاصة بها اقتصاديًا وسياسيًا وتجاريًا وعسكريًا وفي المجال التكنولوجي أيضًا، في حين أن الاتحاد السوفيتي أعتمد بدرجة شبه كاملة على التطوير والصناعة العسكرية.
ولذا نحن نرى الآن الولايات المتحدة هي الأقوى عالميًا في كل المجالات وروسيا ما هي إلا منافس عسكري من ضمن الموجودين على الساحة العالمية، ولذا فخلال الخمسة وأربعين عام كانت أمريكا والاتحاد السوفيتي في صراع حول كيفية القضاء على كلًا منهما في أسرع وقت، وهكذا نرى أنها لم تكن كأي حرب عادية تعتمد على السلاح والمعارك العسكرية في المقام الأول، وهذا ما جعلها تسمى الحرب الباردة.
الحرب الباردة نتيجة ظهور النظام الشيوعي في روسيا
مع انتهاء الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي طلت الروح الشيوعية برأسها للمرة الأولى فوق الأراضي الروسية وذلك في عام 1917، وقد قامت هذه المنظومة بسحب الجيش الروسي من الحرب العالمية الأولى لترك بريطانيا وفرنسا وحيدان في الحرب حتى تستنزف قوتهم، وقد قام النظام الشيوعي بسحب جميع الصلاحيات من أيدي الشعب ومنع الديموقراطية فوق الأراضي الروسية، حيث أنه تم تركيز السلطة والاقتصاد في يد الحكومة والرئيس فقط والشعب ما هو إلا مواطن بسيط لا يتمتع بالحقوق الأصلية له، في حين أن الولايات المتحدة كانت تبغض هذا النظام وتعتبره من الأمور الواجب القضاء عليها قبل انتشارها في أغلب دول العالم، ولا ننسى أن أمريكا كانت تعمل بالنظام الرأسمالي الذي يسمح للشعب بالتدخل بقوة في المجال الاقتصادي.
ويمنح الديموقراطية والحرية لجميع أطياف الشعب الأمريكي، ومع كثرة الاختلافات بين الجانبين حاولت السلطات الأمريكية القضاء على هذا النظام أو الحد من انتشاره في الدول الأخرى، حيث أنه قد ظهر في إيطاليا ثم اليابان وكوريا فحاولت الولايات المتحدة تدارك هذا الأمر قبل أن يتفشى في جميع أنحاء العالم، ولذا كان النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي هو من الأسباب التي جعلت الحرب الباردة تحدث بين الجانب الأمريكي والجانب الروسي.
تعارض النظام الرأسمالي في أمريكا
في الوقت الذي ظهرت في الأحزاب الشيوعية كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسير وفق النظم الرأسمالي والديموقراطي وهذا يتعارض تمامًا مع النظام الأول، ولذا كان هذا سببًا من أسباب بدء الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغربي، حيث أن النظام الرأسمالي كان يهدف إلى مشاركة المواطنين الكبار في المجال الاقتصادي وتنميته وإعطاء الحق لهم في ممارسة النشاط التجاري بكامل الحرية، وتفرض عليهم نظير ذلك بعض الجمارك التي لا تعد بالحمل الكبير عليهم وهذا نقيض تمامًا لما كانت تفعله روسيا مع مواطنيها، هذا بجانب أن النظام في الولايات المتحدة كان ديموقراطيًا مبني على أخذ أراء الشعب في كل يخص البلاد فكلهم يساهمون في إعلاء وطنهم.
في حين أن روسيا كانت قائمة على نظام شيوعي لا ينظر إلى أراء الشعب بل وقد سُحب منهم جميع الصلاحيات التي كانت في أيديهم، وأصبحت السلطة المطلق للرئيس ومعاونيه وهذا ما زاد من وتيرة الحرب وجعلها على شفا جرف هار، وهذا قد أدى إلى ظهور معارضة قوية من السلطات الأمريكية وتسعى لتحريض الشعب على إقامة الثورات ضد هذه الأنظمة الشيوعية الغاشمة، وتبرز لهم الجوانب الجيدة من النظام الديموقراطي، وهذا ما قد أطلق عليها الخبراء مصطلح الحرب الباردة.
الحرب الباردة وظهور الأزمة الكورية على الساحة
تعتبر كوريا والخلافات الكثيرة التي حدثت بها هي أحد عوامل ومظاهر الحرب الباردة في آن واحد، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم تقسيم كوريا إلى قسمين شمال وجنوبي الأول يتبع للاتحاد السوفيتي والثاني للولايات المتحدة الأمريكية، ولم يمضي سوى بضع أعوام حتى دبت الشيوعية في أوصال الشعب الكوري الشمالي وتعاون مع الصين وروسيا في ضرب كوريا الجنوبية التابعة للولايات المتحدة، وبالفعل قاموا بشن هجوم مباغت على الأراضي الجنوبية تراجعت القوات الجنوبية على إثره ولم تستطع الصمود أمام هذا الهجوم الثلاثي العنيف، فتشاورت الولايات المتحدة الأمريكي مع الأمم المتحدة وتوصلوا إلى دخول أمريكا إلى الحرب والمدافعة عن الأراضي الجنوبية من الخطر الشيوعي، فأُرسلت القوات الأمريكية إلى كوريا الجنوبية وتمكنت من ضبط الأوضاع بها حتى أخرجت الجيوش الشمالية ومن معها خارج الحدود.
ثم بدأت في رد الكرة عليهم ومعاقبتهم على هذا الهجوم الغير مبرر فزحفت إلى أراضيهم وأعملت فيهم السلاح حتى مات منهم الكثيرين، وتمكنت القوات الأمريكية مع القوات الكورية الجنوبية من سحق الجيش الكوري الشمالي ومعه بعض الفرق الصينية وبدعم خفي من الاتحاد السوفيتي، بل وقد وصل الضرب إلى الحدود الصينية كتهديد لهم حتى يتراجعوا ولا يقدموا على هذا العمل مرة أخرى.
ختامًا
في الأخير عليك معرفة أن الحرب الباردة هي عبارة عن حرب بدون سلاح مباشر فهي تتمثل في مواجهات سياسية وفكرية فقط، وقد يشارك السلاح في الأمر ولكن فوق أراضي دول أخرى وبدون مشاركة أساسية، وقد ظلت هذه الحرب قرابة الخمسين عام لم تعلن أي دولة منهم عن غزو أو معارك مباشرة بين القوات الأمريكية والروسي بأكملها.
الكاتب: أحمد علي