شهد أدب الطفل تراجعاً ملحوظاً في الوطن العربي خلال السنوات العشر الأخيرة، لم يعد يتم أعداد كافية من الإصدارات الأدبية الموجهة إلى الأطفال، وكذلك انخفضت نسبة مبيعات هذا النوع من الأدب بدرجة كبيرة مقارنة مع نسب المبيعات المرتفعة التي سجلتها حتى أوائل عقد التسعينيات، فترى لماذا؟ وما أسباب تراجع صناعة أدب الطفل وتردي مستواها إلى هذا الحد؟
أسباب تراجع أدب الطفل :
لا يخف على متابعي الشأن الثقافي العربي أن مستوى أدب الطفل قد تراجع بدرجة كبيرة من حيث جودة المحتوى وكذلك معدلات الإقبال، وقد حدد المتخصصون مجموعة من العوامل رأوا أنها المسبب الرئيسي في تدهور مستوى كتاب الطفل العربي وهي كالآتي:
تعدد الإلهاءات :
أحد أسباب تراجع معدلات مبيعات الإصدارات الأدبية الموجهة إلى فئة الأطفال هو تعدد الإلهاءات أو مواد الترفيه الأخرى، ففي السابق كان أدب الطفل يشهد إقبالاً كبيراً كونه كان يعد أحد مواد الترفيه الرئيسية المخصصة للأطفال، لكن في زمننا المعاصر تعددت الإلهاءات مثل الإنترنت أو ألعاب الفيديو بجانب السينما وبرامج التلفزيون مثل مسلسلات الرسوم المتحركة وغيرها وغير ذلك، ونتيجة لذلك فقد الكتاب سحره وتأثيره على الأطفال بنسبة كبيرة.
الجهل بأهمية القراءة :
يتحمل الآباء وأولياء الأمور جزء من مسئولية تراجع مستويات أدب الطفل في الدول العربية، وذلك ينظرون إلى هواية القراءة على أنها شكل من أشكال الرفاهية، ولهذا فإنهم يهتمون فقط بالمقررات الدراسية وعملية التعليم ولكنهم لا يولون القراءة الحرة نفس القدر من الاهتمام ولا يحثون الأطفال عليها، اعتقاداً منهم بأن ما يتلقاه الأطفال في المدارس كافياً، لكن الحقيقة المثبتة والتي يؤكدها الخبراء التربويون أن المقررات الدراسية مجرد مصدر للمعلومات، ولكنها لا تساهم في تشكيل الوعي أو الشخصية أو الارتقاء بمستوى ثقافة الأطفال.
انعدام التطوير :
لا تزال كتب أدب الطفل محافظة على شكلها النمطي الذي عُرفت به قبل آلاف السنين، ويعد ذلك سبباً مباشراً ورئيسياً في تراجع معدلات إنتاجها ومبيعاتها على السواء، حيث أن ما كان يُبهر الأطفال في فترة الستينيات والسبعينيات لا يمكن أن يُبهر أطفال الألفية الحالية، فالطفل أصبح يتعامل مع تكنولوجيا حديثة فائقة التطور بينما كتاب الطفل في الوطن العربي لا يزال محتفظاً بطابعه الكلاسيكي وأسلوبه المباشر الذي يعتمد على الخطابة والوعظ، فأفق الأطفال في العصر الحالي أصبح أكثر اتساعاً بفضل التكنولوجيا المتطورة وانتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فالأطفال أصبحوا على درجة أكبر من الوعي ومن ثم لابد أن يكون المحتوى المقدم لهم على نفس المستوى.
تراجع الدعم الحكومي :
في السابق كانت تتبنى الحكومات مهمة نشر الثقافة بين الأطفال، وذلك عن طريق دعم أدب الطفل وإقامة معارض الكتاب ومهرجانات القراءة والفاعليات الثقافية المختلفة المعنية بنشر الثقافة لدى الفئات العمرية الصغيرة، إلا أن مستويات الدعم الحكومي لهذا النوع من الأنشطة الثقافية قد تراجع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وكان لهذا تأثير سلبي بالغ على أدب الأطفال من حيث جودة المحتوى ومعدلات الانتشار.
القرصنة الإلكترونية :
تؤكد الإحصاءات على أن تكلفة إنتاج كتب الأطفال تفوق تكلفة إصدار الكتب الموجهة إلى البالغين، حيث أن كتب أدب الطفل تستهلك خامات أكثر تنوعاً ويعمل عليها عدد أكبر من الأشخاص، حيث أن هذا النوع من الكتب عادة ما تكون صفحاته الداخلية ملونة، كما أن العمل عليه لا يقتصر على الكاتب والناشر فحسب بل هناك مصمماً ورساماً وغيرهم، وانتشار جرائم الإنترنت ومن بينها جرائم القرصنة وانتهاك حقوق الملكية الفكرية كان أحد الأسباب التي دفعت الناشرين إلى تجنب إصدار الكتب الموجهة إلى الأطفال، حيث أن تكلفة إصدارها مرتفعة وبسبب القرصنة الإلكترونية لم تعد من المشروعات مضمونة الربح.