سوبر مان هو أحد أشهر الشخصيات الخيالية على مستوى العالم، وقد أبدع هذه الشخصية اليهوديان جو شستر وجيري سيجل، ولم يخال أحدهما حينها أن شخصية سوبر مان هذه ستصير الأشهر في عالم الكوميكس، وسيتم تخصيص سلسلة قصص لها تضم مئات الأعداد، بجانب تحويلها إلى عدد من المسلسلات وأفلام السينما.
سوبر مان والحرب العالمية :
الغموض لا يحيط بشخصية سوبر مان على الشاشة فقط، فهناك غموض من نوع آخر يحيط بالأسباب التي دفعت إلى ابتكاره، والبعض يرى أن إنتاج سوبر مان يأتي كنتيجة لاندلاع الحرب العالمية!.. فترى ما دوافع ذلك الاعتقاد؟، وما العلاقة التي قد تجمع بين بطل خيالي وحرب حقيقية؟
الأبطال الخارقين والحروب العالمية :
للحديث عن العلاقة الرابطة بين شخصية الأبطال الخارقين والحروب العالمية، فلابد أولاً من العودة إلى بداية كلاهما، لنلاحظ مدى التقارب الزمني بين هذا وذاك، إذ أن الحرب العالمية الثانية قد اندلعت في آواخر عام 1939م، بينما فكرة اختلاق الأدباء لشخصيات خارقة على شاكلة سوبر مان وبات مان، فقد سبق ذلك بفترة وجيزة وتحديداً في عام 1936م، بل أن ظهور أول بطل خارق ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة، حيث تم تقديمه من خلال شرائط مصورة، انتجت خصيصاً لصالح الجرائد الأمريكية الرسمية، وكانت تلك الشخصية هي شخصية الشبح أو فانتوم، التي ابتكرها كل من راي مور ولي فولك حوالي 1936م، ورغم ما حققته تلك الشخصية من انتشار سريع ونجاح فائق، فأن تقديم مغامراتها قد توقف بحلول عام 1939م، والسبب في ذلك التحاق مبتكرها “فولك” بمكتب جمع المعلومات، فور اندلاع الحرب العالمية الثانية، وعدد ممن ابتكروا شخصيات خارقة لاحقاً، كانوا أيضاً من المشاركين في الحدث العالمي المؤسف.
بداية شخصية سوبر مان :
القصص المصورة لشخصية سوبر مان هي الأشهر عالمياً، وحتى يومنا هذا تأتي في مراكز متقدمة ضمن قائمة الأكثر مبيعاً، لكن سوبر مان الذي تتصدر صورته اليوم أغلفة المجلات، بل والملصقات الدعائية لأشهر أفلام الإثارة والتشويق السينمائية، لم يحظ في بداياته بكل ذلك الاهتمام، بل ظهر كشخصية ثانوية ضمن كتيب مُصوَّر يضم العديد من القصص، وكانت ذلك الكتيب أحد إصدارات سلسلة “أكشن كوميكس”، وقد أُصدِر ذلك العدد في عام 1938م، وتمكن سوبر مان بقوته التي تفوق كافة أقرانه من جذب أنظار القراء، الأمر الذي ساهم في زيادة شعبية الشخصية وشغف القراء بها، فقامت شركة دي سي كوميكس بتخصيص سلسلة كاملة لشخصية سوبر مان ،وقد تزامن إصدار تلك إصدار تلك الأعداد الخاصة بـ سوبر مان ،مع احتدام الحرب العالمية المندلعة بكافة أرجاء كوكب الأرض آنذاك.
نظريات حول سوبر مان والحرب العالمية :
ذلك التزامن بين بداية سوبر مان واحتدام التصارع الدولي، دفع الناس سواء النقاد أو العامة إلى الربط بينهما، لا سيما وأن فترة الحرب العالمية الثانية وويلاتها وانقلاب موازين القوى، ألهمت العديد من المبدعين وكانت أساساً لأكثر من عمل قصصي وأدبي، خاصة وأن بعض الشخصيات الخارقة كانت الحرب سبباً مباشراً في ابتكارها، وأشهرها شخصية كابتن أمريكا والذي هو في الأساس مجند بالجيش الأمريكي، أما عن -أشهر الخوارق- سوبر مان فمن النظريات التي دارت حول ارتباطه بالحرب :
1- البذلة والعلم الأمريكي :
أول ما يجذب انتباه الناظر إلى شخصية سوبر مان الشهيرة، هو تلك البذلة المميزة الممزوج بها اللونين الأحمر والأزرق، وعلامة الـ”S” الشهيرة بزخرفتها المميزة تحتل كامل صدره، ورأى البعض أن اختيار هذه الألوان له دلالة سياسية، وأن اختيار اللونين الرئيسيين المكونين للعلم الأمريكي لم يكن من قبيل المصادفة، وأن مبتكري شخصية البطل الخارق الأشهر على مستوى العالم، قصدا من ذلك الإشارة إلى أن أمريكا هي القوى العظمى الجديدة، والتي تتولى بمفردها حماية كوكب الأرض من المخاطر وترعى السلام عليه، وما عزز صدق تلك النظرية هو ما يميز سوبر مان على كافة الأبطال الخارقين، ألا وهو وجهه المكشوف الظاهر للجميع، فـ سوبر مان إذا لاحظنا هو البطل الخارق الوحيد الذي لا يرتدي قناعاً، بعكس شخصيات أخرى مثل بات مان وجرين لانتر وفلاش وغيرهم الكثير.. وهو ما يزيد الشبه بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، التي أظهرت قوتها خلال الحرب العالمية الثانية بلا أقنعة أو اختباء.
على الجانب الآخر هناك من ينكرون هذه النظرية جملة وتفصيلاً، وينظرون إلى تصميم زي سوبر مان نظرة فنية خالصة، ويقولون بأن اختيار الأزرق والأحمر كان اختياراً موفقاً، إذ أن هذه الألوان تأتي متضادة ضمن دائرة الألوان، وهو ما يعني أنها تجذب انتباه من ينظر إليها، ومن ثم فأنها اختيار مثالي يليق بـ سوبر مان أقوى كائن فوق سطح الأرض.
2- القوة والحرب :
القوة والقوة وحدها هي العامل الذي يؤثر في مجريات الحروب، فدائماً المنتصر هو من يمتلك القدرة الأكبر على البطش والتنكيل، وجاءت شخصية سوبر مان تجسيداً مثالياً للقوى العظمى بالحروب، فـ سوبر مان يتميز عن مختلف الشخصيات المنتمية إلى عالمه، فهو وحده يجمع بين مختلف القوى الخارقة التي تميز كل شخصية على حدا، فهو يمكنه الطيران في محيط الغلاف الجوي وخارجه، كذلك يمكنه العدو بسرعة فائقة واختراق الموانع والجدران، ويُطلق الليزر من عينه ويغوص في أعماق البحار، وهذا كله بجانب قوته العضلية الهائلة التي تمكنه من حمل السيارات بلمسة واحدة.. إذا أردنا إظهار قوة دولة معينة من خلال عمل قصصي، فـ سوبر مان يبدو الاختيار الأمثل والأنسب لذلك.
مؤيدو هذا التحليل هم أنفسهم المقتنعين برمزية ألوان الزي، ويرون أن سوبر مان بقوته وهيئته يجسد القوة الأمريكية، التي تجلت للمرة الأولى خلال الحرب العالمية الثانية، أي خلال ذات الفترة التي بزغ بها نجم سوبر مان كبطل خارق.
3- سوبر مان والإحباط العام :
نظرية ثالثة تربط بين ظهور سوبر مان وقيام الحرب العالمية، ولكن هذه النظرية بعكس سابقتيها تنتصر للفن على حساب السياسية، إذ أن مؤيديها يرون أن سوبر مان نجاحه كأي نجاح فني، يرتبط بمدى شعبيته ودرجة تعلق الجماهير به، وما ساهم في انتشاره وانجذاب الجمهور إليه هو الحالة العامة السائدة في ذلك الوقت، حيث أن الحرب العالمية وما ترتب عليها من نتائج مؤسفة، أدت إلى اجتياح العالم حالة من اليأس والبؤس والأحباط العام، وهذا المناخ مثالي لنمو أفكار شبيهة بفكرة المُخلص، حيث يأمل الناس -من فرط يأسهم- أن تنزل السماء عليهم من يُخلصهم من العذاب، وقد تجسد هذا الأمل في شخصية البطل الخالق سوبر مان ،الذي أرسله كوكب كريبتون إلى الأرض ليحمي أهلها من قوى الدمار، ورغم الشطط الواضح في تركيبة وقدرات شخصية سوبر مان ،إلا أنه أسر قلوب القراء باعتباره انعكاساً لأحلامهم وآمالهم.
4- تطور شخصية سوبر مان :
طبيعة شخصية سوبر مان التي نشاهدها اليوم، تختلف كثيراً عن الشخصية التي ظهرت لأول مرة على صفحات القصص المصورة، فقد انصب كامل اهتمام مؤلف الشخصية في باديء الأمر على إظهار فتوتها، فكانت مغامرات سوبر مان تتسم بالعنف الشديد، خاصة تلك الأعداد التي ظهر بها سوبر مان كشخصية ثانوية، أما مع بداية إصدار الأعداد التي انفردت الشخصية ببطولتها، فقد شهدت تغيراً ملحوظاً بطبيعة سوبر مان وأساليبه، فأصبح أكثر حكمة ورزانة، ورأى البعض أن مبتكري سوبر مان أحدثوا ذلك التغير، كي تتماشى الشخصية مع التغييرات التي طرأت على الساحة السياسية، فباعتبار سوبر مان رمزاً للسيادة الأمريكية، فخلال الحرب كانت شخصيته تتسم بالعنف والتهور، أما بعد انتهاء الحرب فقد حملوا سوبر سمات صفات القائد المثالي، الذي يجمع ما بين القوة والحكمة في آن واحد.