هجرة النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي، فقد أتخذ المسلمون من هجرته بداية للتاريخ الإسلامي وبها بدء تأسيس الدولة الإسلامية بحدودها المترامية فكانت المدينة المنورة هي أول مركز للمسلمين وصارت عاصمة الدولة فيما بعد، لذلك تعتبر الهجرة مرحلة تاريخية هامة جداً وفاصلة في الدعوة الإسلامية، فقد كانت نهاية المرحلة المكية بظلمها واضطهادها للمسلمين وبداية المرحلة المدنية التي أشرق فيها نور الإسلام وترعرع حتى وصل لأزهى عصوره وفتراته، اليوم سنتعرف أكثر على قصة الهجرة النبوية وأسبابها والدروس المستفادة منها.
لماذا كانت الهجرة النبوية مرحلة فاصلة في التاريخ الإسلامي؟
أسباب هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة رُغماً عنه، فقد كانت مكة أحب بقاع الأرض إليه حتى أنه بكى عند مغادرتها وقال حديثة الشريف “يا مكة والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منكِ ما خرجْتُ”، لكن رغم حبه الشديد لها كان لابد أن يُهاجر هو ومن أسلم معه من قريش وذلك لعدة أسباب سنعرضها فيما يلي:
-
مغالاة كفار قريش وسادتها في تعذيب المسلمين
فتفننوا في إلحاق أشد صور العذاب والتنكيل بهم حتى الموت، لذلك اضطر المسلمون للهرب من العذاب والبحث عن ملاذ لهم بين أهل المدينة حتى تقوى شوكة الإسلام وينتصر على أعدائه.
-
حصار المسلمين والقضاء على تجارتهم
لم يقف كفار قريش على تعذيب العبيد والإماء الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل قاموا بحصار المسلمين حتى كبار التجار الذين دخلوا في الإسلام كالسيدة خديجة وعثمان بن عفان وأبو بكر الصديق وغيرهم، بُغية إرغامهم على العودة لدين الكفر مرة أخرى، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قاطعوا المسلمين تماماً فلم يبتاعوا منهم ولم يبيعوهم حتى صاروا يأكلون أوراق الشجر من ضيق حالهم.
-
مرور الرسول صلى الله عليه وسلم بعام الحزن
في هذا العام فقد نبي الله عليه أفضل وأتم الصلاة أهم شخصيتين ناصروه في دعوته وقويت به شوكته، فقد مات عمه أبو طالب الذي دافع عنه وحال بينه وبين بطش قريش، وزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها التي ساندته بمالها وواسته وخففت عنه دوماً، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم أشد الحزن لفراقهما.
أحداث الهجرة النبوية
نتيجة للأحداث السابقة كان لابد أن يترك المسلمون أرضهم وديارهم وأموالهم ويهاجرون لأرض ليس لهم فيها شيء سوى أن الله سبحانه وتعالي أمرهم بذلك، أتى أمر الهجرة في السنة الثالثة عشر من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر الصحابة بالهجرة من مكة للمدينة متخفين في ظلام الليل هاربين من بطش الكفار، استمر الأمر هكذا حتى هاجر المسلمون جميعاً ولم يبقى سوى علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالإضافة لبعض العبيد والمستضعفين الذين لم يستطيعوا الفرار من أسيادهم.
أراد أبو بكر الصديق رضي الله عنه الهجرة وذهب للنبي أكثر من مرة طالباً منه السماح له بالسير للمدينة المنورة، لكن رسول الله كان يأمره بالبقاء ويقول له “لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا”، طمع أبو بكر في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم فقام بشراء ناقتين وأعدهما للرحيل كما استأجر دليلاً ليُرشدهم إلى طريق بعيد عن بطش قريش.
لما عرفت قريش بأمر الهجرة خافت من خروج النبي صلى الله عليه وسلم فيجد نُصرة له في المدينة وينتشر الدين الجديد فتفقد قريش هيبتها لذلك أعدوا العدة لقتل رسول الله أثناء خروجه في الفجر، لكن نبي الله طلب من علي بن أبي طالب أن يبقى في فراشه ليوهم قريش أنه ما يزال نائماً وليرد الأمانات لأصحابها أيضاً.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مرأى ومسمع مع كفار قريش فأخذ حفنة من التراب بيده الشريفة وأخذ يلقيها عليهم وهو يقرأ آيات من سورة يس فحجب الله أعينهم وحفظه من بطشهم.
اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيت أبو بكر الصديق وأخبره أن الله أمره بالهجرة وأنه سيكون رفيقه فأخرج أبو بكر الناقتين واستدعى عبد الله بن أريقط دليلهما وخرج في عناية الله سبحانه وتعالى في سواد الليل، حاول كفار قريش تتبعه بكافة الطرق حتى أنهم وضعوا 1000 ناقة لمن يأتي به، لكن العناية الإلهية لازمته وحفظته، فقد رآه سُراقة بن مالك وأم معبد واقتربوا من الإمساك به وبصاحبه لكن محاولتهم فشلت، كما اقترب منه كفار قريش بشدة عندما كان في غار ثور لكن الله حجب أعينهم عنه.
استمرت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ما يُقارب الشهر حتى وصل للمدينة المنورة فاستقبله أهلها بترحاب شديد وفرحة لم تسعها قلوبهم فغنوا أنشودة “طلع البدر علينا” وأنشأ مسجد قباء أول مسجد في الإسلام كما آخى بين المهاجرين والأنصار ووضع بذرة تأسيس دولة إسلامية قوية مترامية الأطراف.
النتائج التي ترتبت على الهجرة النبوية
-
حرية الدعوة للإسلام
فقد تخلص المسلمون من كل القيود التي فُرضت عليهم وأصبحوا أحراراً في أداء عبادتهم والدعوة لدين الله تعالى، وحمل لوائه في كل مكان.
-
وضع أساس الدولة الإسلامية
بعدما تخلص رسول الله من بطش الكفار أصبح قادراً على التفرغ للدعوة ووضع أساس الدولة بعدما ظل أكثر من ثلاثة عشر عاماً يُحارب بطش قريش ويُحاول بناء الأفراد وتقوية عزيمتهم ما لم يترك له أي فرصة لبناء الدولة.
وبذلك كان للهجرة أكبر الأثر في نُصرة الدين الإسلامي وتقويته وانتشاره في كافة بقاع الأرض، فقد بدأ التجار يتوافدون على المدينة المنورة من كافة أرجاء شبه الجزيرة العربية بعدما سمعوا بهذا الدين الجديد فأسلم معظمهم واخذوا على عاتقهم دعوة قبائلهم وأهلهم ما وسع رقعة الإسلام وقوى شوكته.