هل سبق لك ورأيت الزمن؟، وهل سمعت التاريخ يسرد لك حكاياته؟.. إن كانت إجابتك بـ”لا” فأنت حتماً لم ترتاد أي من مقاهي الإسكندرية، فإن كان تصورلك للمقهى أنه أربعة جدران تضم عدداً من الطاولات والكراسي، وتقدم لزبائنها أنواع المشروبات فأنت محق في تصورك، لكن هذا التصور لا ينعكس على مقاهي مدينة الإسكندرية، تلك المقاهي التي تتلاقى بها الحضارات وتمتزج في أبهى صورها، وتنبعث روائح الماضي الجميل من كل ركن بها، وكل جزء فيها له قصة شاهدها وشهد عليها.. مقاهي الإسكندرية هي الذاكرة التي لا تنسى، وقلب التاريخ الذي رغم طول الدهر مازال ينبض.
أعرق مقاهي الإسكندرية :
1. أتينيوس :
ومن أقدم وأشهر مقاهي الإسكندرية مقهي ومطعم “أتينيوس”، المتميز بموقعه المطل على ساحل البحر، وبطرازه المعماري الفريد الذي يجعل منه جزءاً من التراث السكندري.. كان المقهي في الأصل محل لتصنيع وبيع الحلوى، ثم تحول إلى مقهى وكان له فريق أوركسترا خاص يعزف الألحان الكلاسيكية كل ليلة، وكان وجهة الصفوة والأعيان قبل قرن مضى، ولازال المقهى حتى اليوم محتفظاً بطابعة الأصيل، بل أراد القائمون عليه الحفاظ على رونقه التاريخي، فحولوا جدرانه إلى معرض لصور وثائقية تعرض مظاهر الحياة في الإسكندرية القديمة.
2. إيليت :
يونانية تقيم بالإسكندرية وتعشق الثقافة الفرنسية، هذه الشخصية المُركبة هي السيدة “كريستينا كوستانتينو”، والتي أرادت أن تقيم مقهى يشبه المقاهي العالمية وخاصة المتواجدة بباريس الفرنسية، ونجحت كريستينا في تحقيق حلمها عام 1953م بإقامتها لـ”إيليت” المطل على شارع صفية زغلول، ولم يكن مقهاها مقهى بالمعنى الدارج، فقد نجحت أن تجعل منه متحفاً فنياً، فتجد بداخله لوحات نادرة للعديد من الرسامين العالميين، مما جعله أحد ألمع مقاهي الإسكندرية، ووجهة المثقفين من المصريين والأجانب، ومن أشهر مرتادي المقهى السيدة أم كلثوم، وكما اعتادت الملكة فريدة التردد عليه، وكذلك الملكة نريمان، ثم زارته السيدة جيهان السادات، بجانب عدد ليس بقليل من الفنانين والأدباء، ولازال المقهى حتى الآن يقيم مساء كل ثلاثاء حفل “بوزيكا يوناني”.
3. البورصة التجارية :
في مواجهة كورنيش الإسكندرية وعلى بعد أمتار من ميدان المنشية “القناصل سابقاً”، تقع مقهى البورصة التجارية أسفل عمارة إنجليزية التصميم، ويعتبر البورصة التجارية أحد أعرق مقاهي الإسكندرية وأشهرها، واستمد المقهى اسمه من كثرة التجار الذين كانوا يجتمعون به، البورصة التجارية يعتبر نقطة تلاقي الماضي مع الحاضر على أرض الإسكندرية، فعلى طاولاته يُكتب أدب الشباب المعاصر وهي نفس الطاولات التي شهدت ميلاد كلاسيكيات الأدب، والممر الذي خرجت منه التظاهرات المعادية للاحتلال الانجليزي، هي المكان المفضل اليوم بالنسبة لشباب الأحزاب والحركات الثورية.
4. فاروق :
سيدة يونانية تعترض موكب ملك مصر والسودان المار بكورنيش الإسكندرية متوجهاً لقصر رأس التين، في مشهد لم يعتاد أحد رؤيته، توقف له المارة وارتبك أمامه رجال الأمر، وقبل أن يفيق أي منهم من دهشته كانت هي قد اقتربت من سيارة “مولانا”، الذي أشار لحراسه بأن يتركوها، واستمع لها ففوجئ بها تطلب منه أن يقبل دعوتها لتناول القهوة بمقهى “كاليميرا” الذي تملكه، والمفاجأة الأكبر أن الملك فاروق قبل تلبية الدعوة، وطلب تناول الشاي مع النرجيلة “الشيشة” ثم غادر بهدوء.. باليوم التالي تلقت السيدة “ماري بيانوتي” مالكة المقهى عطية ملكية لا يعرف أحد مقدارها تحديداً، لكنها كانت كافية لتجديد المقهى، وأوصت بصناعة تيجان نحاسية صغيرة عند صناع خان الخاليلي لتتخذها شعاراً لمقهاها، الذي غيرت اسمه منذ ذلك الحين إلى “مقهى الملك فاروق”. لايزال مقهى فاروق إلى اليوم محتفظاً بطابعه الخاص، الذي جعله أشهر مقاهي الإسكندرية على الإطلاق في أيامنا المُعاصرة، وبتلك التيجان التي صنعتها السيدة “ماري”، وتجد على جدرانه صور عديدة للملك فاروق وصور أخرى لميادين الإسكندرية القديمة، وحتى العاملين بالمقهى يرتدون ذات الزي الموحد الذي اشتهرت به المقهى قديماً، ليكون بذلك “فاروق” مقهى سكندري آخر بمثابة متحف للتاريخ، ومن أشهر زبائن مقهى فاروق الدكتور أحمد زويل، والفنان فؤاد مهندس، وتعد حالياً من أهم المزارات السياحية بالمحافظة.